والعدوان هنا إما مصدر عدا بمعنى وثب وقاتل أي فلا هجوم عليهم، وإما مصدر عدا بمعنى ظلم كاعتدى فتكون تسميته عدواناً مشاكلة لقوله :﴿على الظالمين﴾ كما سمي جزاء السيئة بالسوء سيئة. وهذه المشاكلة تقديرية. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٢٠٩﴾
سؤال : لم جاء : بـ ﴿على﴾ ؟
الجواب : جاء : بعلى، تنبيها على استيلاء الجزاء عليهم واستعلائه. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٧٧﴾
فإن قيل : لم سمي ذلك القتل عدواناً مع أنه في نفسه حق وصواب ؟.
قلنا : لأن ذلك القتل جزاء العدوان فصح إطلاق اسم العدوان عليه كقوله تعالى :﴿وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا﴾ [الشورى : ٤٠] وقوله تعالى :﴿فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُم﴾ [البقرة : ١٩٤] ﴿ومكروا ومكر الله﴾ [آل عمران : ٥٤] ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ الله مِنْهُمْ﴾ [التوبة : ٧٩] والثاني : إن تعرضتم لهم بعد انتهائهم عن الشرك والقتال كنتم أنتم ظالمين فنسلط عليكم من يعتدي عليكم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ١١٤﴾
وقال الرماني، إنما استعمل لفظ العدوان في الجزاء من غير مزاوجة اللفظ، لأن مزاوجة اللفظ مزاوجة المعنى، كأنه يقول : انتهوا عن العدوان فلا عدوان إلاَّ على الظالمين انتهى كلامه. وهذا النفي العام يراد به النهي، أي : فلا تعتدوا، وذلك على سبيل المبالغة إذا أرادوا المبالغة في ترك الشيء عدلوا فيه عن النهي إلى النفي المحض العام، وصار ألزم في المنع، إذ صار من الأشياء التي لا تقع أصلاً، ولا يصح حمل ذلك على النفي الصحيح أصلاً لوجود العدوان على غير الظالم. فكأنه يكون إخباراً غير مطابق، وهو لا يجوز على الله تعالى.
وقيل : معنى لا عدوان، لا سبيل، كقوله :﴿أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ﴾ أي لا سبيل عليّ، وهو مجاز عن التسليط والتعرض، وهو راجع لمعنى جزاء الظالم الذي شرحنا به العدوان.


الصفحة التالية
Icon