المسألة الأولى : ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوها أحدها : قال الحسن والأصم كان الرجل في الجاهلية إذا هم بشيء فتعسر عليه مطلوبه لم يدخل بيته من بابه بل يأتيه من خلفه ويبقى على هذه الحالة حولاً كاملاً، فنهاهم الله تعالى عن ذلك لأنهم كانوا يفعلونه تطيراً، وعلى هذا تأويل الآية ليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها على وجه التطير، لكن البر من يتقي الله ولم يتق غيره ولم يخف شيئاً كان يتطير به، بل توكل على الله تعالى واتقاه وحده، ثم قال :﴿واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي لتفوزوا بالخير في الدين والدنيا كقوله :﴿وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق : ٢ ٣] ﴿وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾ [الطلاق : ٤] وتمام التحقيق في الآية أن من رجع خائباً يقال : ما أفلح وما أنجح، فيجوز أن يكون الفلاح المذكور في الآية هو أن الواجب عليكم أن تتقوا الله حتى تصيروا مفلحين منجحين وقد وردت الأخبار عن النبي ﷺ بالنهي عن التطير، وقال :" لا عدوى ولا طيرة " وقال من " رده عن سفره تطير فقد أشرك " أو كما قال وأنه كان يكره الطيرة ويحب الفأل الحسن وقد عاب الله تعالى قوماً تطيروا بموسى ومن معه ﴿قَالُواْ اطيرنا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ الله﴾ [النمل : ٤٧].
الوجه الثاني : في سبب نزول هذه الآية، روي أنه في أول الإسلام كان إذا أحرم الرجل منهم فإن كان من أهل المدن نقب في ظهر بيته منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلماً يصعد منه سطح داره ثم ينحدر، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء، فقيل لهم : ليس البر بتحرجكم عن دخول الباب، ولكن البر من اتقى.


الصفحة التالية
Icon