وقال مجاهد : كانوا قعوداً على الكراسي عند الأخدود.
﴿ وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بالمؤمنين شُهُودٌ ﴾ أي : الذين خدّوا الأخدود، وهم : الملك وأصحابه، على ما يفعلون بالمؤمنين من عرضهم على النار ؛ ليرجعوا إلى دينهم شهود : أي حضور، أو يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأنه لم يقصر فيما أمر به.
وقيل : يشهدون بما فعلوا يوم القيامة، ثم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم.
وقيل : على بمعنى مع، والتقدير : وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين شهود.
قال الزجاج : أعلم الله قصة قوم بلغت بصيرتهم، وحقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن يحرقوا بالنار في الله ﴿ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ ﴾ أي : ما أنكروا عليهم، ولا عابوا منهم ﴿ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد ﴾ أي : إلا أن صدّقوا بالله الغالب المحمود في كل حال.
قال الزجاج : ما أنكروا عليهم ذنباً إلا إيمانهم، وهذا كقوله :﴿ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءامَنَّا بالله ﴾ [ المائدة : ٥٩ ] وهذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم، كما في قوله :
لا عيب فيهم سوى أن النزيل بهم... يسلو عن الأهل والأوطان والحشم
وقول الآخر :
ولا عيب فيها غير شكلة عينها... كذاك عتاق الطير شكلاً عيونها
قرأ الجمهور :﴿ نقموا ﴾ بفتح النون، وقرأ أبو حيوة بكسرها، والفصيح الفتح.
ثم وصف سبحانه نفسه بما يدلّ على العظم، والفخامة فقال :﴿ الذى لَهُ مُلْكُ السموات والأرض ﴾ ومن كان هذا شأنه، فهو حقيق بأن يؤمن به ويوحد.
﴿ والله على كُلّ شَىْء شَهِيدٌ ﴾ من فعلهم بالمؤمنين لا يخفى عليه منه خافية، وفي هذا وعيد شديد لأصحاب الأخدود، ووعد خير لمن عذبوه على دينه من أولئك المؤمنين.