ثم بيّن سبحانه ما أعدّ لأولئك الذين فعلوا بالمؤمنين ما فعلوا من التحريق فقال :﴿ إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق ﴾ : أي : حرقوهم بالنار، والعرب تقول : فتنت الشيء، أي : أحرقته، وفتنت الدرهم والدينار : إذا أدخلته النار ؛ لتنظر جودته.
ويقال دينار مفتون، ويسمى الصائغ الفتان، ومنه قوله :﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ ﴾ [ الذاريات : ١٣ ]، أي : يحرقون.
وقيل : معنى فتنوا المؤمنين : محنوهم في دينهم ليرجعوا عنه، ثم لم يتوبوا من قبيح صنعهم، ويرجعوا عن كفرهم وفتنتهم فلهم عذاب جهنم أي : لهم في الآخرة عذاب جهنم بسبب كفرهم، والجملة في محل رفع على أنها خبر إن، أو الخبر لهم، وعذاب جهنم مرتفع به على الفاعلية، والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، ولا يضرّ نسخه بأنّ خلافاً للأخفش، ولهم عذاب الحريق أي : ولهم عذاب آخر زائد على عذاب كفرهم، وهو عذاب الحريق الذي وقع منهم للمؤمنين.
وقيل : إن الحريق اسم من أسماء النار كالسعير.
وقيل : إنهم يعذبون في جهنم بالزمهرير، ثم يعذبون بعذاب الحريق، فالأوّل عذاب ببردها، والثاني عذاب بحرّها.
وقال الربيع بن أنس : إن عذاب الحريق أصيبوا به في الدنيا، وذلك أن النار ارتفعت من الأخدود إلى الملك وأصحابه، فأحرقتهم، وبه قال الكلبي.
ثم ذكر سبحانه ما أعدّ للمؤمنين الذين أحرقوا بالنار فقال :﴿ إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ وظاهر الآية العموم، فيدخل في ذلك المحرقون في الأخدود بسبب إيمانهم دخولاً أوّلياً، والمعنى : أن الجامعين بين الإيمان وعمل الصالحات ﴿ لَهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ أي : لهم بسبب الإيمان، والعمل الصالح جنات متصفة بهذه الصفة.