ثم أضرب عن مماثلة هؤلاء الكفار الموجودين في عصره ﷺ لمن تقدّم ذكره، وبيّن أنهم أشدّ منهم في الكفر والتكذيب فقال :﴿ بَلِ الذين كَفَرُواْ فِى تَكْذِيبٍ ﴾ أي : بل هؤلاء المشركون من العرب في تكذيب شديد لك، ولما جئت به، ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار ﴿ والله مِن وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ ﴾ أي : يقدر على أن ينزل بهم ما أنزل بأولئك، والإحاطة بالشيء : الحصر له من جميع جوانبه، فهو تمثيل لعدم نجاتهم بعدم فوت المحاط به على المحيط.
ثم ردّ سبحانه تكذيبهم بالقرآن فقال :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ ﴾ أي : متناه في الشرف والكرم، والبركة لكونه بياناً لما شرعه الله لعباده من أحكام الدين والدنيا، وليس هو كما يقولون إنه شعر وكهانة وسحر ﴿ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ أي : مكتوب في لوح، وهو أمّ الكتاب محفوظ عند الله من وصول الشياطين إليه.
قرأ الجمهور محفوظ بالجرّ على أنه نعت للوح، وقرأ نافع برفعه على أنه نعت للقرآن، أي : بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح.
واتفق القراء على فتح اللام من ﴿ لوح ﴾ إلا يحيى بن يعمر، وابن السميفع، فإنهما قرآ بضمها.
قال مقاتل : اللوح المحفوظ عن يمين العرش.
قيل : والمراد باللوح بضم اللام : الهواء الذي فوق السماء السابعة.
قال أبو الفضل : اللوح بضم اللام : الهواء، وكذا قال ابن خالويه.
قال في الصحاح : اللوح بالضم : الهواء بين السماء، والأرض.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال ﴿ البروج ﴾ قصور في السماء.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن النبيّ ﷺ سئل عن :﴿ السماء ذَاتِ البروج ﴾ فقال : الكواكب، وسئل عن قوله :﴿ الذى جَعَلَ فِى السماء بُرُوجاً ﴾ [ الفرقان : ٦١ ] قال :" الكواكب ".
وعن قوله :﴿ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ﴾ [ النساء : ٧٨ ] قال :" القصور ".