ولما كان جواب القسم على ما دل عليه مقصود السورة وسوابقها ولواحقها : لنثوبن الفريقين الأولياء والأعداء، ولندينن كلاًّ بما عمل، دل عليه بأفعاله في الدنيا ببعض الجبابرة فيما مضى، وفيما يفعل بجبابرة من كذب النبي ـ ﷺ ـ، فقال بادئاً بمن عذب بعذاب الله في القيامة للبداءة في آخر الانشقاق بقسم المكذبين وهم المحدث عنهم، معبراً بما يصلح للدعاء والحقيقة تسلية للمؤمنين وتثبيتاً لهم بما وقع لأمثالهم، وتحذيراً مما كان لأشكالهم :﴿قتل﴾ أي لعن بأيسر أمر وأسهله من كل لاعن لعناً لا فلاح معه، ووقع في الدنيا أنه قتل حقيقة ﴿أصحاب الأخدود﴾ أي الخد العظيم، وهو الشق المستطيل في الأرض كالنهر، روي أن ملكاً من الكفار - وروي عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه كان من حمير - من ملوك اليمن، وكان قبل مولد النبي ـ ﷺ ـ بسبعين سنة، آمن في زمانه ناس كثير، فخدّ لهم أخدوداً في الأرض وسجره ناراً وعرض من آمن عليه، فمن رجع عن دينه تركه، ومن ثبت - وهم الأغلب - قذفه في ذلك الأخدود فأحرقه.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : وردت هذه السورة في معرض الالتفات والعدول إلى إخبار نبي الله ـ ﷺ ـ بما تضمنته هذه السورة من قصة أصحاب الأخدود، وقد تقدم هذا الضرب في سورة المجادلة وسورة النبأ، وبينا وقوعه في أنفس السور ومتونها وهو أقرب فيما بين السورتين وأوضح - أنتهى.