وقد تقدّم في مقدمة الكتاب ما رواه الحارث عن عليّ رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" كتاب فيه خَبَر ما قبلكم وحُكْم ما بعدكم، هو الفَصْل، ليس بالهزل، من تركه من جَبَّار قَصَمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله " وقيل : المراد بالقول الفصل : ما تقدم من الوعيد في هذه السورة، من قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ على رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تبلى السرآئر ﴾.
﴿ وَمَا هوَ بالهزل ﴾ أي ليس القرآن بالباطل واللعب.
والهزل : ضدّ الجِدّ، وقد هَزَلَ يَهْزِل.
قال الكميت :
يُجَدّ بنا في كلِّ يومٍ ونَهْزِل...
﴿ إِنَّهُمْ ﴾ أي إن أعداء الله ﴿ يَكِيدُونَ كَيْداً ﴾ أي يمكرون بمحمد ﷺ وأصحابِه مَكراً.
﴿ وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾ أي أجازيهم جزاء كيدهم.
وقيل : هو ما أوقع الله بهم يوم بدرٍ من القتل والأَسر.
وقيل : كَيْد الله : استدراجُهم من حيث لا يعلمون.
وقد مضى هذا المعنى في أوّل "البقرة"، عند قوله تعالى :﴿ الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ﴾ [ البقرة : ١٥ ].
مستوفىً.
قوله تعالى :﴿ فَمَهِّلِ الكافرين ﴾
أي أخرهم، ولا تسأل الله تعجيل إهلاكهم، وارضَ بما يدبره في أمورهم.
ثم نسخت بآية السيف ﴿ فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ].
﴿ أَمْهِلْهُمْ ﴾ تأكيد.
ومَهْل وأمهِل : بمعنى ؛ مثل نَزِّل وأَنْزِل.
وأمهله : أنظره، ومهله تمهيلاً، والاسم : المُهْلَة.
والاستمهال : الاستنظار.
وتَمهَّل في أمره أي اتّأد.
واتْمَهَلْ اتْمِهْلالا : أي اعتدل وانتصب.
والاتْمِهلال أيضاً : سكون وفتور.
ويقال : مهلاً يا فلان ؛ أي رِفقاً وسكوناً.
﴿ رُوَيْداً ﴾ أي قريباً ؛ عن ابن عباس.
قتادة : قليلاً.
والتقدير : أمهلهم إمهالاً قليلاً.
والرُّوَيْد في كلام العرب : تصغير رُوْد.
وكذا قاله أبو عبيد.
وأنشد :
كأنَّهَا ثَمِلٌ يمشِي على رُودِ...
أي على مَهَل.


الصفحة التالية
Icon