وقولُه تعالى :﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ جوابٌ للقسمِ وما بينهما اعتراضٌ جيءَ بهِ لما ذكرَ من تأكيدِ فخامةِ المقسمِ بهِ المستتبعِ لتأكيدِ مضمونِ الجملةِ المقسمِ عليها، وإنْ نافيةٌ، ولَمَّا بمَعْنى إلاَّ ما كلُّ نفسٍ إلا عليها حافظٌ مهيمنٌ رقيبٌ وهو الله عزَّ وجلَّ كما في قولِه تعالَى :﴿ وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء رَّقِيباً ﴾ وقيلَ : هو من يحفظُ عملَها ويُحصي عليها ما تكسبُ من خيرٍ وشرَ كما في قولِه تعالى :﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين * كِراماً ﴾ الآيةَ وقولُه تعالى :﴿ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً ﴾ وقولُه تعالى :﴿ لَهُ معقبات مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ ﴾ وقُرِىءَ لَمَا مخففةٌ على أنَّ إنْ مخففةٌ من الثقيلةِ واسمُها الذي هُو ضميرُ الشأنِ محذوفٌ واللامُ هي الفارقةُ وما مزيدةٌ أي أنَّ الشأنَ كلُّ نفسٍ لعليها حافظٌ والفاءُ في قوله تعالى :﴿ فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ ﴾ للتنبيهِ على أنَّ مَا بُينَ مِنْ أن كلَّ نفسٍ عليها حافظٌ يُحصي عليها كلَّ ما يصدرُ عنها من قولٍ وفعلٍ مستوجبٌ على الإنسانِ أنْ يتفكرَ في مبدأِ فطرتِه حقَّ التفكير حتى يتضح له أن من قدر على إنشائه من موادّ لم تشمّ رائحة الحياة قط فهو قادرٌ على إعادتِه بل أقدرُ على قياسِ العقلِ فيعملَ ليومِ الإعادةِ والجزاءِ ما ينفعُه يومئذٍ ويجديهِ ولا يملى على حافظِه ما يرديهِ.