ثم بيّن سبحانه ذلك فقال :﴿ خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ﴾ والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر، والماء : هو المنيّ، والدفق : الصب، يقال دفقت الماء، أي : صببته، يقال ماء دافق أي : مدفوق، مثل :﴿ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ [ القارعة : ٧ ] أي : مرضية.
قال الفرّاء، والأخفش :﴿ ماء دافق ﴾، أي : مصبوب في الرحم.
قال الفرّاء : وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم كقولهم : سرّ كاتم أي : مكتوم، وهمّ ناصب : أي منصوب، وليل نائم، ونحو ذلك.
قال الزجاج : من ماء ذي اندفاق، يقال دارع، وقايس، ونابل : أي ذو درع، وقوس، ونبل، وأراد سبحانه ماء الرجل والمرأة ؛ لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماء واحداً لامتزاجهما.
ثم وصف هذا الماء، فقال :﴿ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترائب ﴾ أي : صلب الرجل، وترائب المرأة، والترائب جمع تريبة، وهي : موضع القلادة من الصدر، والولد لا يكون إلا من الماءين.
قرأ الجمهور :﴿ يخرج ﴾ مبنياً للفاعل.
وقرأ ابن أبي عبلة، وابن مقسم مبنياً للمفعول، وفي الصلب وهو الظهر لغات.
قرأ الجمهور بضم الصاد وسكون اللام، وقرأ أهل مكة بضم الصاد واللام.
وقرأ اليماني بفتحهما.
ويقال صالب على وزن قالب، ومنه قول العباس بن عبد المطلب :
تنقل من صلب إلى رحم... في أبياته المشهورة في مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدّم كلام في هذا عند تفسير قوله :﴿ الذين مِنْ أصلابكم ﴾ [ النساء : ٢٣ ] وقيل : الترائب ما بين الثديين.
وقال الضحاك : ترائب المرأة : اليدين، والرجلين، والعينين.
وقال سعيد بن جبير : هي الجيد.
وقال مجاهد : هي ما بين المنكبين والصدر.
وروي عنه أيضاً أنه قال : هي الصدر.
وروي عنه أيضاً أنه قال : هي التراقي.
وحكى الزجاج : أن الترائب عصارة القلب، ومنه يكون الولد، والمشهور في اللغة أنها عظام الصدر، والنحر، ومنه قول دريد بن الصمة :


الصفحة التالية
Icon