وقوله تعالى :﴿يوم﴾ منصوب برجعه ومن يجعل الضمير في رجعه للماء وفسره برجعه إلى مخرجه من الصلب والترائب، أو الإحليل وحاله الأولى نصب الظرف بمضمر، أي : واذكر يوم. ﴿تبلى﴾ تختبر وتكشف، ﴿السرائر﴾ أي : ما أسرّ في القلوب من العقائد والنيات وغيرهما وما أخفى الأعمال وذلك يوم القيامة وبلاؤها تعرفها وتصفحها والتمييز بين ما طاب منها وما خبث. وعن الحسن أنه سمع رجلاً ينشد:
*سيبقى لها في مضمر القلب والحشا
** سريرة ودّ يوم تبلى السرائر*
فقال : ما أغفله عما في والسماء والطارق. وقال عطاء بن رباح : إن السرائر فرائض الأعمال كالصوم والصلاة والوضوء والغسل من الجنابة، فإنها سرائر بين الله تعالى وبين العبد، ولو شاء العبد لقال : صمت ولم يصم، وصليت، ولم يصل واغتسلت ولم يغتسل فيختبر حتى يظهر من أداها ممن ضيعها. وقال ابن عمر : يبدي الله تعال كل سرّ فيكون زيناً في وجوه، وشيناً في وجوه. يعني : فمن أدّاها كان وجهه مشرقاً، ومن لم يؤدها كان وجهه أغبر.
﴿فما له﴾ أي : لهذا الإنسان المنكر للبعث الذي أخرجت سرائره. وأعرق في النفي والتعميم فقال تعالى:﴿من قوة﴾ أي : منعة في نفسه يمتنع بها ﴿ولا ناصر﴾ أي : ينصره من عذاب الله تعالى فيدفعه عنه. ثم ذكر تعالى قسماً آخر فقال تعالى:
﴿والسماء﴾ أي : التي تقدّم الإقسام بها، وَصَفَها بما يؤكد العلم بالبعث فقال تعالى :﴿ذات الرجع﴾ أي : التي ترجع بالدوران إلى الموضع الذي تتحرك عنه فترجع الأحوال التي كانت، وتصرّمت من الليل والنهار والشمس والقمر والكواكب، والفصول من الشتاء وما فيه من برد ومطر، والصيف وما فيه من حرّ وصفاء وسكون، وغير ذلك. وقيل : ذات النفع. وقيل : ذات الملائكة لرجوعهم فيهم بأعمال العبادة. وقيل : ذات المطر لعوده كل حين، أو لما قيل : من أن السحاب تحمل الماء من البحار، ثم ترجعه إلى الأرض، وعلى هذا يجوز أن يراد بالسماء السحاب.


الصفحة التالية
Icon