﴿وما هو﴾ أي : في باطنه ولا ظاهره ﴿بالهزل﴾ أي : باللعب والباطل بل هو جدّ كله لا هوادة فيه : ومن حقه وقد وصفه الله تعالى بذلك أن يكون مهيباً في الصدور، معظماً في القلوب، يترفع به قارئه وسامعه أن يلم بهزل أو يتفكه بمزاح، وأن يلقي ذهنه إلى أنّ جبار السموات والأرض يخاطبه فيأمره وينهاه، ويعده ويوعده حتى إن لم يستفزه الخوف، ولم تتبالغ فيه الخشية، فأدنى أمره أن يكون جاداً غير هازل، فقد نفى الله تعالى عن المشركين ذلك في قوله تعالى :﴿وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون﴾ (النجم :)
﴿والغوا فيه﴾ (فصلت :)
هذا على عود الضمير للقرآن، وعلى جعله للأوّل فيكون الشخص خائفاً وجلاً من ذلك الذي تبلى فيه السرائر.
﴿إنهم﴾ أي : الكفار أعداء الله تعالى ﴿يكيدون كيداً﴾ أي : يمكرون بمحمد ﷺ وأصحابه. واختلف في ذلك الكيد، فقيل : إلقاء الشبهات كقولهم ﴿إن هي إلا حياتنا الدنيا﴾ (الأنعام :)
﴿من يحيي العظام وهي رميم﴾ (يس :)
﴿أجعل الآلهة إلهاً واحداً﴾ (ص :)
وما أشبه ذلك وقيل : قصدهم قتله لقوله تعالى :﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا﴾ (الأنفال :)
الآية. وأما قوله تعالى:
﴿وأكيد﴾ أي : أنا بإتمام اقتداري ﴿كيداً﴾ فاختلف فيه أيضاً، فقيل : معناه أجازيهم جزاء كيدهم، وقيل : هو ما أوقع الله تعالى بهم يوم بدر من القتل والأسر، وقيل : استدراجهم من حيث لا يعلمون، وقيل : كيد الله تعالى لهم بنصره وإعلاء درجته تسمية لأحد المتقابلين باسم الآخر لقوله تعالى :﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾ (الشورى :)
. وقول الشاعر:
*ألا لا يجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا*
وكقوله تعالى :﴿نسوا الله فنسيهم﴾ (التوبة :)
﴿يخادعون الله وهو خادعهم﴾ (النساء :)


الصفحة التالية
Icon