وأكد هذا ما جاء بعده من الوعيد بالإمهال رويداً، وقد سمي بيوم الفصل، كما في قوله :﴿ لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الفصل وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [ المرسلات : ١٢-١٥ ].
وذكر الويل في هذه الآية للمكذبين يعادل الإمهال في هذه السورة للكافرين، وغذا ربطنا بين القسم والمقسم عليه، لكان أظهر وأوضح، لن رجع الماء بعد فنائه بتلقيح السحاب من جديد يعادل رجع الإنسان بعد فنائه في الأرض، وتشقق الأرض عن النبات يناسب تشققها يوم البعث عن الخلائق، والله تعالى أعلم.
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦)
نسبة هذا الفعل له تعالى قالوا إنه : من باب المقابلة كقوله :﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله ﴾ [ آل عمران : ٥٤ ]، وقوله ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ﴾ [ البقرة : ١٤-١٥ ]، وهو في اللغة، كقول القائل، لما سئل عن أي الطعام يريد، وهو عارٍ يريد كسوة.
قالوا اختر طعاماً نجد لك طبخة... قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
وقد اتفق السلف، أنه لا ينسب إلى الله تعالى على سبيل الإطلاق، ولا يجوز أن يشتق له منه اسم، وإنما يطلق في مقابل فعل العباد، لأنه في غير المقابلة فهو في غاية العلم والحكمة والقدرة، والكيد أصله المعالجة للشيء بقوة.
وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة : والعرب قد تطلق الكيد على المكر، والعرب قد يسمون المكر كيداً، قال الله تعالى :﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً ﴾ [ الطور : ٤٢ ]، وعليه فالكيد هنا لم يبين، فإذا كان بمعنى المكر، فقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان شيء منه عند قوله تعالى :﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله والله خَيْرُ الماكرين ﴾ [ آل عمران : ٥٤ ]، بأن مكرهم محاولتهم قتل عيسى، ومكر الله إلقاء الشبه، أي شبه عيسى على غير عيسى.