بالغيب أي بأنه سيكون ذلك لسابق علم اللّه به وأمثال هذا في القرآن كثير منها (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) الآية الثانية من سورة البلد الآتية فهذه مكية ظهر أثرها يوم الفتح حتى قال عليه السلام :(أحلت لي ساعة من نهار) ومنها قوله :(جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) الآية ١١ من سورة ص الآتية فقد وعده اللّه وهو بمكة أنه سيهزم جندا من المشركين، وكذلك قوله جاء الحق (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) الآية ٤٩ من سورة سبأ في ج ٢ فإنه ظهر مفعولها يوم الفتح أخرج الشيخان عن ابن مسعود قال : دخل النبي مكة يوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول :(جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) الآية ٨١ من الإسراء الآتيه ويقول (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) وكذلك قوله (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) الآية ٤٦ من سورة القمر الآتية فقد بان مفعولها يوم بدر حتى أن عمر بن الخطاب قال كنت لا أعلم أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلّى اللّه عليه وسلم يثب في الدرع ويقول :(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) وغير ذلك فيما يأتي، قال تعالى "بَلْ تُؤْثِرُونَ" على العموم والإطلاق وهو إضراب عن مقدر ينساق الكلام اليه كأنه قيل بعد بيان الفلاح وجهته وطريقه الموصل إليه : انكم لا تفعلون ذلك ولا تميلون إليه بل تفضلون أيها الناس "الْحَياةَ الدُّنْيا ١٦" الفانية "و" الحال "الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ١٧" لكم منها لأن نعيمها دائم والباقي خير من الفاني، قال عرفجة : كنا عند ابن مسعود نقرأ هذه الآية فقال : أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة قلنا لا قال لأن الدنيا أحضرت وعجل لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذاتها وبهجتها وان الآخرة زويت وتغيبت عنا فأحببنا العاجل وتركنا الآجل.