ولما ذكر تعالى أمر القيامة وانقسام أهلها إلى أشقياء وسعداء، وعلم أنه لا سبيل إلى إثبات ذلك إلا بواسطة الصانع الحكيم، أتبع ذلك بذكره هذه الدلائل، وذكر ما العرب مشاهدوه وملابسوه دائماً فقال :﴿ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ﴾، وهي الجمال، فإنه اجتمع فيها ما تفرق من المنافع في غيرها، من أكل لحمها، وشرب لبنها، والحمل عليها، والتنقل عليها إلى البلاد الشاسعة، وعيشها بأي نبات أكلته، وصبرها على العطش حتى أن فيها ما يرد الماء لعشر، وطواعيتها لمن يقودها، ونهضتها وهي باركة بالأحمال الثقال، وكثرة جنينها، وتأثرها بالصوت الحسن على غلظ أكبادها، وهي لا شيء من الحيوان جميع هذه الخصال غيرها.
وقد أبان تعالى امتنانه عليهم بقوله :﴿ أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً ﴾ الآيات.
ولكونها أفضل ما عند الغرب، جعلوها دية القتل، ووهبوا المائة منها من يقصدهم ومن أرادوا إكرامه، وذكرها الشعراء في مدح من وهبها، كما قال :
أعطوا هنيدة تحدوها ثمانية...
وقال آخر :
الواهب المائة الهجان برمتها...
وناسب التنبيه بالنظر إليها وإلى ما حوت من عجائب الصفات، ما ذكر معها من السماء والجبال والأرض لانتظام هذه الأشياء في نظر العرب في أوديتهم وبواديهم، وليدل على الاستدلال على إثبات الصانع، وأنه ليس مختصاً بنوع دون نوع، بل هو عام في كل موجوداته، كما قيل :
وفي كل شيء له آية...
تدل على أنه واحد
وقال أبو العباس : المبرد : الإبل هنا السحاب، لأن العرب قد تسميها بذلك، إذ تأتي إرسالاً كالإبل، وتزجى كما تزجى الإبل، وهي في هيئتها أحياناً تشبه الإبل والنعام، ومنه قوله :
كأن السحاب ذوين السما...
ء نعام تعلق بالأجل


الصفحة التالية
Icon