وإنما قدّم المشروب على الضريع المطعوم لأن الماء يناسب النار مناسبة الضدين أو الشبيهين من حيث بساطتهما، أو لأنهم إذا أثر فيهم حر النار غلب عليهم العطش وكان الماء عندهم أهم، ثم إذا أثرت فيهم الحرارتان أرادوا أن يدفعوا ألم الإحساس بها بما يزيد العذاب على البدن، هذا مع أن الواو ليست للترتيب. قال الحسن : لا أدري ما الضريع ولم أسمع فيه من الصحابة شيئا وقد يروى عنه أيضاً أنه " فعيل " بمعنى " مفعل " كالأليم بمعنى المؤلم. والبديع بمعنى المبدع ومعناه إلا من طعام يحملهم على الضراعة والذل عند تناوله لما فيه من الخشونة والمرارة والحرارة. وعن سعيد بن جبير أنه شجرة ذات شوك. قال أبو الجوزاء : كيف يسمن من يأكل الشوك. وفي الخبر " الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حراً من النار " قال العلماء : إن للنار دركات وأهلها على طبقات : فمنهم من طعامه الزقوم، ومنهم من طعامه غسلين، ومنهم من طعامه ضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد ﴿ لكل باب منهم جزء مقسوم ﴾ [ الحجر : ٤٤ ] ووجود النبت في النار ليس بيدع من قدرة الله كوجود بدن الإنسان والعقارب والحيات فيها. قوله ﴿ لا يسمن ولا يغني من جوع ﴾ صف للطعام أو للضريع، وفيه أن طعامهم ليس من جنس طعام الإنس لكن من جنس الشوك الذي ترعاه الإبل ما دام رطباً فإذا يبس نفرت عنه لأنه سم قاتل. ويحتمل أن يراد لا طعام لهم أصلاً لأن الضريع يبيس هذا الشوك والإبل تنفر عنه كما قلنا فهو كقوله " ليس لفلان ظل إلا الشمس " يريد نفي الظل على التوكيد. وروي أن كفار قريش قالوا على سبيل التعنت حين سمعوا الآية : إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت ﴿ لا يسمن ولا يغني من جوع ﴾ أي ليس فيه منفعة الغذاء ولا الاسمان ودفع الجوع كذبهم الله في قولهم يسمن الضريع، أو نبههم الله بعد تسليم أن ضريعهم مسمن على أن ضريع النار ليس كذلك أي كل ما في