ثم إلى الأرض التي فيها ينبت العشب وعليها متقلبهم ومرعاهم، فثبت أن الآية كيف وردت منظمة حسب ما انتظم في خزانة خيال العرب بحسب الأغلب. ومنها أن جميع المخلوقات متساوية في دلالة التوحيد وذكر جميعها غير ممكن فكل طائفة منها تخص بالذكر. ورد هذا السؤال فوجب الحكم بسقوطه، ولعل في ذكر هذه الأشياء التي لا تناسب في الظاهر تنبيهاً على أن هذا الوجه من الاستدلال غير مختص بنوع دون نوع بل هو عام في الكل. ومنها أن المراد بالإبل السحاب على طريق التشبيه والمجازفان العرب كثيراً تشبه السحاب بالإبل في أشعارهم. ومنها أن تخصيص الإنسان بالاستدلال منه على التوحيد يستتبع القوع في الشهوة والفتنة، وكذا الفكر في البساتين النزهة والصور الحسنة فخص الإبل بالذكر لأن التفكير فيها متمحض لداعية الحكمة وليس للشهوة فيها نصيب، على أن إلف العرب بها أكثر كما مر، وكذا السماء والأرض والجبال دلائل الحدوث فيها ظاهرة وليس فيها نصيب للشهوة. والمراد بالنظر إلى هذه الأشياء هو النظر المؤدّي إلى الاستدلال بدليل قوله ﴿ كيف خلقت ﴾ ﴿ كيف رفعت ﴾ ﴿ كيف نصبت ﴾ ﴿ كيف سطحت ﴾ وليس في السطح دلالة على عدم كرية الأرض لأنها في النظر مسطحة وقد تكون في الحقيقة كرة إلا أنها لعظمها لا تدرك كريتها. ثم أمر نبيه ﷺ بتذكير الأمة بهذه الأدلة وأمثالها لأن أمره مقصور على كونه مذكراً لا منحطاً إلى كونه مسيطراً أي مسلطاً عليهم فإن أراد بالتسليط القهر أو بالإكراه بمعنى خلق الهداية فيهم فالآية ثابتة لأن ذلك لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً. وإن أراد القتال معهم إن لم يؤمنوا فالآية منسوخة وهذا قول كثير من المفسرين، وعلى هذا فالأظهر أن يكون الاستثناء في قوله ﴿ إلا من تولى وكفر ﴾ متصلاً لا باعتبار الحال فإن السورة مكية ولكن بالنظر إلى الاستقبال أي إلا المصرين على الإعراض والكفر فإنك تصير مأموراً