قال المشركون لما سمعوا هذه الآية إن إبلنا لتسمن على الضريع استهزاء وسخرية، لأن الإبل لا تأكله أبدا ولا يسمى ضريعا إلا بعد يبسه لأنه مادام أخضر يسمى شبرقا، فكذبهم اللّه بقوله "لا يُسْمِنُ" الضريع الدابة أبدا "وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ" ٧ البتة لأنه لا يؤكل حتى يشبع، ولا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى (إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) الآية ٢٧ من الحاقة الآتية، لأن للنار دركات لكل دركة نوع من العذاب ويكون على قدر الذنب العقاب، فمنهم طعامهم الزقوم، ومنهم ذو الغصة، ومنهم الضريع، ومنهم الغسلين، كما سيأتي أجارنا اللّه من ذلك كله، وهذا ما وصف اللّه به أهل النار، وهاك
وصف أهل الجنة جعلنا اللّه من أهلها، قال تعالى "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ" ٨ أهلها، وهذا أيضا من إطلاق الجزء وإرادة الكل، منعمة برضاء اللّه وجنته "لِسَعْيِها" الذي فعلته بالدنيا "راضِيَةٌ" ٩ به لما رأت حسن جزائه فى الآخرة لأنه "فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ" ١٠ لا يدرك الطرف مداها
"لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً" ١١ في لهو وباطل بل كل ألسنتها التسبيح والتهليل والتحميد والتسليم "فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ" ١٢ إلى حيث أراد طلبها بمجرد إشارة منه دون تكلف ما لا تحتاج لجر أنابيب ووضع رافعات وصبابات، وهذا للشرب والنظارة و"فِيها" للجلوس والنوم "سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ" ١٣ أنشأها اللّه لعباده، وناهيك بشيء ينشئه اللّه، فصف من حسنها وماهيتها وعلوها وزخرفها ما شئت فلن تدرك حقيقتها ولن تقدر أن تحيط علما بها لأنها من مصنوعات اللّه، وسبب ارتفاعها ليشرف من عليها على ما خوّله ربه من الملك الواسع والنعيم الشاسع "وَأَكْوابٌ" طوس مستديرة وأكواز بلا عرى من فضة وذهب كما يشعر بعظمها التنوين "مَوْضُوعَةٌ" ١٤ بعضها جنب بعض على حواف الأعين الجارية مملوءة مهينة للشرب بقدر ما يشرب الشارب "وَنَمارِقُ" وسائد، قال زهير :