كهولا وشبانا حسابا وجوههم على سرر مصفوفة ونمارق
يؤيد هذا التفسير قوله تعالى "مَصْفُوفَةٌ" ١٥ بعضها لبعض للاتكاء عليها، وهذا أحسن من تأويلها بمطارح، لأن الصف عادة أكثر استعمالا في الوسائد، وما جاء في قولهن :
نحن بنات طارق نمشي على النمارق
لم يرد بها الوسائد لأنها لا يمشى عليها بل يراد منها ما بينه اللّه بقوله "وَزَرابِيُّ" وهي ما نسميها الآن سجّادا وأحسن أنواعه شغل العجم، أما هذا فهو من إبداع المبدع، وهو فوق ما نتصوره، فاسع أن تكون أهلا بأن تمشي وتجلس عليه "مَبْثُوثَةٌ" ١٦ مبسوطة متفرقة في الغرف والباحات والأبهاء والساحات ومحال النزه وغيرها بحيث أينما أردتها وجدتها بالغرف والجنان والصحارى.
مطلب في الإبل وما ينبغي أن يعتبر به، والتحاشي عن نقل ما يكذبه العامة :
وبعد أن وصف اللّه النار والجنة وأهلهما التفت إلى عباده حدثا لهم على الاعتبار في بعض مخلوقاته التي هي بين أيديهم ومسخرة لهم، فقال جل قوله "أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ" ٧ والإبل جمع لا واحد له من لفظه ومفردها جمل وبعير وناقة وقعود، ويجمع الجمل على جمال، والبعير على أباعر وأبعر وبعران، والقعود على قعدان، والناقة على نياق ونوق، وإنما خص الإبل لأنها من أنفس أموال العرب إذ ذاك وحتى الآن عند أهل البادية، وأعزّها عليهم، ولها مكانة عندهم حتى انهم يتفاخرون فيها، ولم يروا قبل أعظم منها للركوب والحمل والأكل، ولهم فيها منافع كثيرة، وذلك أنهم أنكروا ما وصفه اللّه من الجنة والنار وأهلهما فذكرهم اللّه بهذا النوع من مخلوقاته العجيبة الصنع المذللة لهم، مع أنها أقوى منهم ليعلموا أن الذي خلقها قادر على خلق ما وصف في الجنة والنار ليسترشدوا بذلك.


الصفحة التالية
Icon