فما ظنك بالتفات خاطرهم إليها ؟ ثم إذا تعذر طول مكثهم في منزل - ومن لأصحاب مواش بذاك - كان عقد الهمة عندهم بالتنقل من أرض إلى سواها من عزم الأمور، فعند نظره هذا، أيرى البدوي إذا أخذ يفتش عما في خزانة الصور له، لا يجد صورة الإبل حاضرة هناك أو لا يجد صورة السماء لها مقارنة، أو تعوزه صورة الجبال بعدهما، أو لا تنصّ إليه صورة الأرض تليها بعدهن ؟ لا، وإنما الحضري، حيث لم تتآخذ عنده تلك الأمور، وما جمع خيالهُ تلك الصور على ذلك الوجه وإذا تلا الآية قبل أن يقف على ما ذكرت، ظن النسق بجهله معيباً للعيب فيه. انتهى.
﴿ فَذَكِّرْ ﴾ أي : من أرسلت إليه بآياته تعالى التي تسوق إلى الإيمان بخالقها الفطرة ﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ﴾ أي : مبلغ ما نسي من أمره تعالى :
﴿ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ﴾ أي : بمتسلط تقهرهم على الإيمان. وقرئ بالصاد على إبدالها من السين.
﴿ إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ﴾ وهو عذاب جهنم. والاستثناء منقطع، أي : لكن من تولى وكفر، فإن لله الولاية والقهر، فهو يعذبه العذاب الأكبر على جحده الحق.
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴾ أي : رجوعهم ومعادهم بالموت والبعث. والجملة تعليل لتعذيبه تعالى بالعذاب الأكبر. وجمع الضمير فيه وفيما بعده، باعتبار معنى ﴿ مَن ﴾ كما أن إفراده قبل باعتبار لفظها.
﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ أي : فنجازيهم بالعذاب الأكبر ؛ فإن القهر والغلبة له تعالى وحده. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ١٧ صـ ٣٨٥ ـ ٣٨٩﴾


الصفحة التالية
Icon