إن هذه المشاهد معروضة لنظر الإنسان حيثما كان.. السماء والأرض والجبال والحيوان.. وأيا كان حظ الإنسان من العلم والحضارة فهذه المشاهد داخلة في عالمه وإدراكه. موحية له بما وراءها حين يوجه نظره وقلبه إلى دلالتها.
والمعجزة كامنة في كل منها. وصنعة الخالق فيها معلمة لا نظير لها. وهي وحدها كافية لأن توحي بحقيقة العقيدة الأولى. ومن ثم يوجه القرآن الناس كافة إليها:
(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ؟).. والإبل حيوان العربي الأول. عليها يسافر ويحمل. ومنها يشرب ويأكل. ومن أوبارها وجلودها يلبس وينزل. فهي مورده الأول للحياة. ثم إن لها خصائص تفردها من بين الحيوان. فهي على قوتها وضخامتها وضلاعة تكوينها ذلول يقودها الصغير فتنقاد، وهي على عظم نفعها وخدمتها قليلة التكاليف. مرعاها ميسر، وكلفتها ضئيلة، وهي أصبر الحيوان المستأنس على الجوع والعطش والكدح وسوء الأحوال.. ثم إن لهيئتها مزية في تناسق المشهد الطبيعي المعروض كما سيجيء..
لهذا كله يوجه القرآن أنظار المخاطبين إلى تدبر خلق الإبل ; وهي بين أيديهم، لا تحتاج منهم إلى نقلة ولا علم جديد..(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ؟).. أفلا ينظرون إلى خلقتها وتكوينها ؟ ثم يتدبرون: كيف خلقت على هذا النحو المناسب لوظيفتها، المحقق لغاية خلقها، المتناسق مع بيئتها ووظيفتها جميعا ! إنهم لم يخلقوها. وهي لم تخلق نفسها، فلا يبقى إلا أن تكون من إبداع المبدع المتفرد بصنعته، التي تدل عليه، وتقطع بوجوده ; كما تشي بتدبيره وتقديره.
(وإلى السماء كيف رفعت ؟).. وتوجيه القلب إلى السماء يتكرر في القرآن. وأولى الناس بأن يتوجهوا إلى السماء هم سكان الصحراء. حيث للسماء طعم ومذاق، وإيقاع وإيحاء، كأنما ليست السماء إلا هناك في الصحراء !


الصفحة التالية
Icon