السماء بنهارها الواضح الباهر الجاهر. والسماء بأصيلها الفاتن الرائق الساحر. والسماء بغروبها البديع الفريد الموحي. والسماء بليلها المترامي ونجومها المتلألئة وحديثها الفاتر. والسماء بشروقها الجميل الحي السافر.
هذه السماء. في الصحراء.. أفلا ينظرون إليها ؟ أفلا ينظرون إليها كيف رفعت ؟ من ذا رفعها بلا عمد ؟ ونثر فيها النجوم بلا عدد ؟ وجعل فيها هذه البهجة وهذا الجمال وهذا الإيحاء ؟ إنهم لم يرفعوها وهي لم ترفع نفسها. فلا بد لها من رافع ولا بد لها من مبدع. لا يحتاج الأمر إلى علم ولا إلى كد ذهن. فالنظرة الواعية وحدها تكفي...
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)
(وإلى الجبال كيف نصبت ؟).. والجبال عند العربي - بصفة خاصة - ملجأ وملاذ، وأنيس وصاحب، ومشهدها يوحي إلى النفس الإنسانية - بصفة عامة - جلالا واستهوالا. حيث يتضاءل الإنسان إلى جوارها ويستكين، ويخشع للجلال السامق الرزين. والنفس في أحضان الجبل تتجه بطبيعتها إلى الله ; وتشعر أنها إليه أقرب، وتبعد عن واغش الأرض وضجيجها وحقاراتها الصغيرة. ولم يكن عبثا ولا مصادفة أن يتحنث محمد ( ﷺ ) في غار حراء في جبل ثور. وأن يتجه إلى الجبل من يريدون النجوة بأرواحهم فترات من الزمان !
والجبال هنا (كيف نصبت)لأن هذه اللمحة تتفق من الناحية التصويرية مع طبيعة المشهد كما سيجيء.
(وإلى الأرض كيف سطحت ؟).. والأرض مسطوحة أمام النظر، ممهدة للحياة والسير والعمل، والناس لم يسطحوها كذلك. فقد سطحت قبل أن يكونوا هم.. أفلا ينظرون إليها ويتدبرون ما وراءها، ويسألون: من سطحها ومهدها هكذا للحياة تمهيدا ؟