وقال الشيخ الشنقيطى :
سُورَةُ الْغَاشِيَةِ
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (١)
الكلام في ﴿ هَلْ ﴾ هنا، كالكلام في ﴿ هَلْ ﴾ التي في أول سورة الإنسان، أنها استفهامية أو أنها بمعنى قد؟
ورجّح أبو السعود وغيره أنها استفهامية للفت النظر وشدة التعجب والتنويه، بشأن هذا الحدث، وهو مروي عن ابن عباس قال : رضي الله عنه :" لم يكن أتاه فأخبره به " وحديث الغاشية هو خبرها الذي يتحدث عنها.
والغاشية قال أبو حيان : أصلها في اللغة : الداهية تغشى الناس، واختلف في المراد بها هنا، فقيل : يوم القيامة.
وقيل : النار. واستدل كل قائل بنصوص. فمن الأول قوله :﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب ﴾ [ العنكبوت : ٥٥ ].
قال الفخر الرازي. وإنما سميت القيامة بها الاسم، لأن ما أحاط بالشيء من جميع جهاته فهو غاش له، والقيامة كذلك من وجوه. الأول، أنها ترد على الخلق بغتة، وهو كقوله :﴿ أفأمنوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [ يوسف : ١٠٧ ].
والثاني : أنها تغشى الناس جميعاً من الأولين والآخرين.
والثالث : أنها تغشى الناس بالأهوال والشدائد.
ومن استدلالهم على أنها النار، قوله تعالى :﴿ وتغشى وُجُوهَهُمْ النار ﴾ [ إبراهيم : ٥٠ ].
وقيل الغاشية : أهل النار يغشونها أي يدخلونها، فالغاشية كالدافة في حث الأضاحي.
وقال الطبري : والراجح عندي أن الله تعالى أطلق ليعم، فيجب أن تطلق ليعم أيضاً.
والذي يظهر رجحانه والله تعالى أعلم : أنها في عموم القيامة وليس في خصوص النار، فالنار من أهوال ودواهي القيامة، وهو ما يشهد له القرآن في هذا السياق من عدة وجوه، ومنها : أنه جاء بعدها قوله :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ﴾ [ الغاشية : ٢ ]، ويوم للقيامة منه للنار.


الصفحة التالية
Icon