فصل


قال الفخر :
اعلم أن في قوله :﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية﴾
مسألتين :
المسألة الأولى :
ذكروا في الغاشية وجوهاً أحدها : أنها القيامة من قوله :﴿يَوْمَ يغشاهم العذاب﴾ [ العنكبوت : ٥٥ ] إنما سميت القيامة بهذا الاسم، لأن ما أحاط بالشيء من جميع جهاته فهو غاش له، والقيامة كذلك من وجوه الأول : أنها ترد على الخلق بغتة وهو كقوله تعالى :﴿أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مّنْ عَذَابِ الله﴾ [ يوسف : ١٠٧ ]، والثاني : أنها تغشى الناس جميعاً من الأولين والآخرين.
والثالث : أنها تغشى الناس بالأهوال والشدائد القول الثاني : الغاشية هي النار أي تغشى وجوه الكفرة وأهل النار قال تعالى :﴿وتغشى وُجُوهَهُمْ النار﴾ [ إبراهيم : ٥٠ ] ﴿ومن فوقهم غواش﴾ [ الأعراف : ٤١ ] وهو قول سعيد بن جبير ومقاتل القول الثالث : الغاشية أهل النار يغشونها ويقعون فيها والأول أقرب، لأن على هذا التقدير يصير المعنى أن يوم القيامة يكون بعض الناس في الشقاوة، وبعضهم في السعادة.
المسألة الثانية :
إنما قال :﴿هَلُ أَتَاكَ﴾ وذلك لأنه تعالى عرف رسول الله من حالها، وحال الناس فيها ما لم يكن هو ولا قومه عارفاً به على التفصيل، لأن العقل إن دل فإنه لا يدل إلا على أن حال العصاة مخالفة لحال المطيعين.
فأما كيفية تلك التفاصيل فلا سبيل للعقل إليها، فلما عرفه الله تفصيل تلك الأحوال، لا جرم قال :﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية ﴾.
أما قوله تعالى :﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشعة * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ فاعلم أنه وصف لأهل الشقاوة، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon