وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ ﴾
أي ذات نَعْمة.
وهي وجوه المؤمنين ؛ نَعِمت بما عاينت من عاقبة أمرها وعملها الصالح.
﴿ لِّسَعْيِهَا ﴾ أي لعملها الذي عملته في الدنيا.
﴿ رَاضِيَةٌ ﴾ في الآخرة حين أُعطيت الجنة بعملها.
ومجازه : لثواب سعيها راضية.
وفيها واو مضمرة.
المعنى : ووجوه يومئذٍ، للفصل بينها وبين الوجوه المتقدمة.
والوجوه عبارة عن الأنفس.
﴿ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾ أي مرتفعة، لأنها فوق السموات حَسْب ما تقدم.
وقيل : عالية القدر، لأن فيها ما تشتهيه الأنفس وتَلَذّ الأعين.
وهم فيها خالدون.
لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (١١)
أي كلاماً ساقطاً غير مَرْضيّ.
وقال :﴿ لاَغِيَةً ﴾، واللَّغْو واللَّغَا واللاَّغية : بمعنى واحد.
قال :
عنِ اللَّغَا ورَفَثِ التَّكلمِ...
وقال الفرّاء والأخفش : أي لا تَسمع فيها كلمة لغو.
وفي المراد بها ستة أوجه : أحدها : يعني كذباً وبُهتاناً وكفراً بالله عز وجل ؛ قاله ابن عباس.
الثاني : لا باطل ولا إثم ؛ قاله قتادة.
الثالث : أنه الشتم ؛ قاله مجاهد.
الرابع : المعصية ؛ قاله الحسن.
الخامس : لا يسمع فيها حالف يحلف بكذب ؛ قاله الفرّاء.
وقال الكلبيّ : لا يُسمع في الجنة حالف بيمين برّة ولا فاجرة.
السادس : لا يسمع في كلامهم كلمة بلغو ؛ لأن أهل الجنة لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمدِ الله على ما رزقهم من النعيم الدائم ؛ قاله الفرّاء أيضاً.
وهو أحسنها لأنه يعمّ ما ذُكر.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير "لا يُسْمَع" بياء غير مسمّى الفاعل.
وكذلك نافع، إلا أنه بالتاء المضمومة ؛ لأن اللاغية اسم مؤنث فأنث الفعل لتأنيثه.
ومن قرأ بالياء فلأنه حال بين الاسم والفعل الجار والمجرور.
وقرأ الباقون بالتاء مفتوحة ﴿ لاَغِيَةً ﴾ نصاً على إسناد ذلك للوجوه، أي لا تسمع الوجوه فيها لاغية.
قوله تعالى :﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ﴾