قال تعالى "يَوْمَئِذٍ" أي يوم يجاء بجهنم ويراها أهلها وسائر من بالموقف على ما وصفها اللّه لهم على لسان أنبيائهم "يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ" ما فرط في دنياه من انكار البعث وتكذيب الأنبياء ويندم على ما وقع منه من المخالفات "و" لكن "أَنَّى لَهُ الذِّكْرى ٢٣" أي لا تنقعه إذ ذاك حيث لا مجال للرجوع للدنيا لقبول التوبة ولا للاتعاظ ولكنه "يقول" متحسرا متأسفا "يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ" عملا صالحا "لِحَياتِي ٢٤" هذه في هذا اليوم الذي لا موت بعده يوم الحياة الأبدية التي كنت أنكرها في الدنيا "فَيَوْمَئِذٍ" يوم يكون ما ذكر "لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ ٢٥" من مخلوقاته "وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ" بالسلاسل والأغلال "أَحَدٌ ٢٦" أيضا أي أن اللّه تعالى هو ذاته المقدسة تتولى العذاب للإنسان العاتي المذكور في الآية السابقة بما يعم أمية بن خلف وغيره وهذا على حد قولهم "قاتل السلطان" والمراد جنده لأنه لا يقاتل عادة.
وقرىء الفعلان على البناء للمفعول وعليه يكون المعنى، إن الإنسان أشد عذابا من غيره لأن اللّه ميّزه بالعقل على سائر الحيوانات ليميّز بين الخير والشر أما وأنه لم يفعل وصرف ذلك العقل إلى شهواته ولذاته فقد جعل اللّه عذابه أعظم من غيره لتناهيه بالكفر.
وجرى على هذه القراءة ابن سيرين وابن أبي اسحق وأبو حيوه وابن أبي عبلة وأبو بحرية والكسائي وسلام ويعقوب وسهل وخارجة تلقيا عن ابن عمر رضي اللّه عنهما.
قال ابن الحاجب إن في عود الضمير على اللّه على قراءة عاصم ورواية حفص الجارية في المصاحف على بناء الفعلين للفاعل فوات للتعظيم الذي يقتضيه السياق وفوات المعنى، إذ عليها ان اللّه تعالى هو الّذي يتولى عذاب الكافر ووثاقه ليس بسديد لأن اللّه ذكر ملائكة للعذاب ووصفهم بالغلظة والشدة وانهم هم الذين يتولون ذلك قال تعالى "يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ٢٧" الآمنة المتأنسة


الصفحة التالية
Icon