ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب! وجماهير الناس تخدع بيومها الحاضر، ولا يدرون أنهم ممتحنون بما حوى من ضر ونفع " فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا ". إن هذا كله تقسيم معايش يعرف القدر وحده سرها، ولا دلالة فيها على إيثار أو طرد. والله يبتلى بالغنى والفقر والهزيمة والنصر، وليس يسره رضا ولا عسره سخطا. إنه تقسيم معايش يمحص به الناس أجمعون، وتحدد على ضوئه منازلهم يوم القيامة، والعاقبة للتقوى.. إن الله لا يعطى غنيا المال كى يقول لغيره: " أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا". إنما يعطيه ليشرك غيره فيه، ويسارع إلى مواساة المحتاجين وتفريج كربهم. ولم يحرم أحدا المال ليبكى على دنيا فاتته أو يحسد من أوتى شيئا منه، بل ليصبر ويكافح ويتربى على العفاف. ومن بدء الخليقة فاوت الله بين أرزاق الناس لحكم منشودة وامتحان مقصود. ولذلك قال ـ بعد وقوع هذا التفاوت " كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين * وتأكلون التراث أكلا لما * وتحبون المال حبا جما ". وقد نشبت معركة الخبز من قديم، واجتذبت إليها أنشطة البشر جميعا، وضريت الحرب بين الأثرة والإيثار والبخل والعطاء. وأقول ـ وأنا محزون ـ إن وصايا الدين انهزمت وغرائز الوحوش غلبت. ثم ظهرت فلسفة الشيوعية التى تولت عن الله تقسيم الأرزاق ـ لأنها اتهمته بالجور! ـ فماذا حدث؟ قال الإنسان فى ظلها بعدما اكتوى بذلها وبؤسها: ربما يوم بكيت منه فلما صرت فى غيره بكيت عليه وسألت نفسى ماذا قدم المسلمون للجماهير التائهة على ظهر هذه الأرض؟ لا شىء. فقد غطوا وجه الإسلام وشوهوا جوهره. بل لقد رأيت فى دار الإسلام أحرارا يلتمسون الكرامة فى أرض أخرى، ويبحثون عن العدالة التى عرت مصادرها فى أرضهم! لم يبق إلا انتظار البعث الآخر " كلا إذا دكت الأرض دكا دكا * وجاء ربك والملك


الصفحة التالية
Icon