وقال القرطبى :
ثم عَدّد عليه نعمه فقال :﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾ يبصر بهما ﴿ وَلِسَاناً ﴾ ينطق به.
﴿ وَشَفَتَيْنِ ﴾ يستُر بهما ثغره.
والمعنى : نحن فعلنا ذلك، ونحن نقدر على أن نبعثه ونُحصِيَ عليه ما عمله.
وقال أبو حازم : قال النبيّ ﷺ :" إن الله تعالى قال : يا ابن آدم، إن نازعك لسانك فيما حرّمتُ عليك، فقد أَعنْتُكَ عليه بطبقين، فأطبِق ؛ وإن نازعك بصرك فيما حرّمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقين، فأطْبِق ؛ وإن نازعك فرجك إلى ما حرّمتُ عليك، فقد أعنتك عليه بطبقَين، فأطبق " والشَّفَة : أصلها شَفْهة، حذفت منها الهاء، وتصغيرها : شُفيهة، والجمع : شِفاهٌ.
ويقال : شَفَهات وشَفَوات ؛ والهاء أقيس، والواو أعمّ، تشبيهاً بالسنوات.
وقال الأزهريّ : يقال هذه شَفَة في الوصل وشَفَةٌ، بالتاء والهاء.
وقال قتادة : نِعَم الله ظاهرة، يقرّرك بها حتى تشكر.
وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)
يعني الطريقين : طريق الخير وطريق الشر.
أي بيناهما له بما أرسلناه من الرسُل.
والنجد.
الطريق في ارتفاع.
وهذا قول ابن عباس وابن مسعود وغيرهما.
وروى قتادة قال : ذُكِر لنا أن النبيّ ﷺ كان يقول :" يا أَيُّها الناسُ، إِنَّما هما النَّجْدان : نجد الخير، ونجد الشر، فلِم نجعل نجد الشر أحب إليك من نجد الخير " ورُوي عن عكرمة قال : النَّجدان : الثديان.
وهو قول سعيد بن المسيّب والضحاك، وروِي عن ابن عباس وعليّ رضي الله عنهما ؛ لأنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه.
فالنجد : العُلُوّ، وجمعه نُجُود ؛ ومنه سُمِّيَتْ "نجد"، لارتفاعها عن انخفاض تِهامة.
فالنجدان : الطريقان العاليان.
قال امرؤ القيس :
فريقان منهمْ جازعٌ بَطْنَ نخلةٍ...
وآخرُ منهم قاطِعٌ نجدَ كَبْكَبِ
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)


الصفحة التالية
Icon