أي فهلا أنفق ماله الذي أنفقه في عداوة محمد، هلا أنفقه لاقتحام العَقَبة فيأمن! والاقتحام : الرّمْيُ بالنفس في شيء من غير رَوِية ؛ يقال منه : قَحَم في الأَمْر قُحوماً : أي رمى بنفسه فيه من غير روِية.
وقَحَّم الفَرَس فارسَه تقحيماً على وجهه : إذا رماه.
وتقحيم النفسِ في الشيء : إدخالها فيه من غير روِية.
والقُحْمة ( بالضم ) المَهْلَكة، والسنة الشديدة.
يقال : أصابت الأعراب القُحْمة : إذا أصابهم قحط، فدخلوا الريف.
والقُحَم : صِعاب الطريق.
وقال الفرّاء والزجاج : وذكر "لا" مرة واحدة، والعرب لا تكاد تفرد "لا" مع الفعل الماضي في مثل هذا الموضع، حتى يُعيدوها في كلام آخر ؛ كقوله تعالى :﴿ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى ﴾ [ القيامة : ٣١ ] ﴿ ولا خَوْفٌ عليهم ولا هم يحزنون ﴾ [ البقرة : ٦٢ ] وإنما أفردوها لدلالة آخر الكلام على معناه ؛ فيجوز أن يكون قوله :"ثم كان من الذِين آمنوا" قائماً مقام التكرير ؛ كأنه قال : فلا اقتحم العقبة ولا آمن.
وقيل : هو جارٍ مجرى الدعاء ؛ كقوله : لا نجا ولا سلِم.
﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا العقبة ﴾ ؟ قال سفيان بن عُيينة : كل شيء قال فيه "وما أدراك"؟ فإنه أَخْبَر به، وكل شيء قال فيه "وما يدريك"؟ فإنه لم يخبر به.
وقال : معنى ﴿ فَلاَ اقتحم العقبة ﴾ أي فلم يقتحم العقبة ؛ كقول زُهَير :
وكانَ طَوَى كَشْحاً على مُسْتكِنَّةٍ...
فلا هُوَ أَبداها ولم يَتَقدّمِ
أي فلم يبدها ولم يتقدّم.
وكذا قال المبرّد وأبو عليّ "لا" : بمعنى لم.
وذكره البخارِيّ عن مجاهد.
أي فلم يقتحم العقبة في الدنيا، فلا يحتاج إلى التكرير.
ثم فَسَّر العقبة وركوبها فقال :﴿ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾ وكذا وكذا ؛ فبين وجوهاً من القُرَب المالية.
وقال ابن زيد وجماعة من المفسرين : معنى الكلام الاستفهام الذي معناه الإنكار ؛ تقديره : أفلا اقتحم العقبة، أو هلا اقتحم العقبة.


الصفحة التالية
Icon