يقول: قد أفلحت نفس زكَّاها الله، وقد خابت نفس دسّاها، ويقال: قد أفلح من زكّى نفسَه بالطاعة والصدقة، وقد خاب من دسَّى نفسه، فأخملها بترك الصدقة والطاعة، ونرى ـ والله أعلم ـ أنّ دساها من: دسّسْت، بُدّلَت بعض سيناتها ياء، كما قالوا: تظينت من: الظن، وتقضيت يريدون: تقضضتُ من: تقضُّض البازى، وخرجت أتلعّى: ألتمس اللُّعاع أرعاه. والعرب تبدل فى المشدد الحرف منه بالياء والواو من ذلك ما ذكرنا لك، وسمعت بعض بنى عقيل ينشد:
* يشبو بها نشجانه [من النشيج] *
هذا آخر بيت، يريد: يَشُب: يظهر، يقال: الخمار الأسود يشب لون البيضاء فجعلها واوا، وقد سمعته فى غير ذلك، ويقال: دويّه وداويّه، ويقال: أما فلان فصالح وأيما، ومن ذلك قولهم: دينار أصله دِنّار، يدل على ذلك جمعهم إياه دنانير، ولم يقولوا: ديانير، وديوان كان أصله: دِوّان لجمعهم إياه: دواوين [/ب]، وديباج: ديابيج، وقيراط، قراريط، كأنه كان قِرّاط، ونرى أن دسّاها دسسها ؛ لأن البخيل يخفى منزله وماله، وأن الآخر يبرز منزله على الأشراف والروابى، لئلا يستتر عن الضيفان، ومن أراده، وكل صواب.
﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ ﴾
وقوله: ﴿بِطَغْوَاهَآ...﴾.
أراد بطغيانها إلاّ أن الطغوى أَشكلُ برءوس الآيات ؛ فاختير لذلك. ألا ترى أنه قال: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ﴾ ومعناه آخر دعائهم، وكذلك ﴿دَعْوَاهُمْ فيها سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ ودعاؤهم فيها هذا.
﴿ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾
وقوله عز وجل: ﴿إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا...﴾.
يقال: إنهما كانا اثنين فلان ابن دهر، والآخر قدار، ولم يقل: أشقَيَاها، وذلك جائز لو أتى ؛ لأن العرب إذا [أضافت] أفعل التى يمدحون بها وتدخل فيها (من) إلى أسماء وحدوها فى موضع الاثنين والمؤنث والجمع، فيقولون للاثنين: هذا أفضل الناس، وهذان خير الناس، ويثنون أيضا، أنشدنى فى تثنيته أبو القمقام الأسَدى: