أما قوله تعالى :
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)
فالمعنى المحصل فيه وجهان الأول : أن إلهام الفجور والتقوى، إفهامها وإعقالهما، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح وتمكينه من اختيار ما شاء منهما، وهو كقوله :﴿وهديناه النجدين﴾ [ البلد : ١٠ ] وهذا تأويل مطابق لمذاهب المعتزلة، قالوا : ويدل عليه قوله بعد ذلك :﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها * وَقَدْ خَابَ مَن دساها﴾ [ الشمس : ١٠ ٩ ] وهذا الوجه مروى عن ابن عباس وعن جمع من أكابر المفسرين والوجه الثاني : أنه تعالى ألهم المؤمن المتقي تقواه وألهم الكافر فجوره، قال سعيد بن جبير : ألزمها فجورها وتقواها، وقال ابن زيد : جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى وخذلانه إياها بالفجور، واختار الزجاج والواحدي ذلك، قال الواحدي : التعليم والتعريف والتبيين، غير والإلهام غير، فإن الإلهام هو أن يوقع الله في قلب العبد شيئاً، وإذا أوقع في قلبه شيئاً فقد ألزمه إياه.
وأصل معنى الإلهام من قولهم : لهم الشيء، والتهمه إذا ابتلعه، وألهمته ذلك الشيء أي أبلغته، وهذا هو الأصل ثم استعمل ذلك فيما يقذفه الله تعالى في قلب العبد، لأنه كالإبلاغ، فالتفسير الموافق لهذا الأصل قول ابن زيد، وهو صريح في أن الله تعالى خلق في المؤمن تقواه، وفي الكافر فجوره، وأما التمسك بقوله :﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها﴾ فضعيف لأن المروي عن سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومقاتل والكلبي أن المعنى قد أفلحت وسعدت نفس زكاها الله تعالى وأصلحها وطهرها، والمعنى وفقها للطاعة، هذا آخر كلام الواحدي وهو تام.


الصفحة التالية
Icon