واعلم أن المرجئة يتمسكون بهذه الآية في أنه لا وعيد إلا على الكفار، قال القاضي : ولا يمكن إجراء هذه الآية على ظاهرها، ويدل على ذلك ثلاثة أوجه أحدها : أنه يقتضي أن لا يدخل النار إلا الأَشقى الذي كذب وتولى فوجب في الكافر الذي لم يكذب ولم يتول أن لا يدخل النار وثانيها : أن هذا إغراء بالمعاصي، لأنه بمنزلة أن يقول الله تعالى : لمن صدق بالله ورسوله ولم يكذب ولم يتول : أي معصية أقدمت عليها، فلن تضرك، وهذا يتجاوز حد الإغراء إلى أن تصير كالإباحة، وتعالى الله عن ذلك وثالثها : أن قوله تعالى : من بعد ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى﴾ [ الليل : ١٧ ] يدل على ترك هذا الظاهر لأنه معلوم من حال الفاسق، أنه ليس بأتقى، لأن ذلك مبالغة في التقوى، ومن يرتكب عظائم الكبائر لا يوصف بأنه أتقى، فإن كان الأول يدل على أن الفاسق لا يدخل النار، فهذا الثاني يدل على أن الفاسق لا يجنب النار، وكل مكلف لا يجنب النار، فلا بد وأن يكون من أهلها، ولما ثبت أنه لا بد من التأويل، فنقول : فيه وجهان الأول : أن يكون المراد بقوله :﴿نَاراً تلظى﴾ ناراً مخصوصة من النيران، لأنها دركات لقوله تعالى :﴿إِنَّ المنافقين فِى الدرك الأسفل مِنَ النار﴾ [ النساء : ١٤٥ ] فالآية تدل على أن تلك النار المخصوصة لا يصلاها سوى هذا الأشقى، ولا تدل على أن الفاسق وغير من هذا صفته من الكفار لا يدخل سائر النيران الثاني : أن المراد بقوله :﴿نَاراً تلظى﴾ النيران أجمع، ويكون المراد بقوله :﴿لاَ يصلاها إِلاَّ الأشقى﴾ أي هذا الأشقى به أحق، وثبوت هذه الزيادة في الاستحقاق غير حاصل إلا لهذا الأشقى.
واعلم أن وجوه القاضي ضعيفة.


الصفحة التالية
Icon