واعلم أن الشيعة بأسرهم ينكرون هذه الرواية، ويقولون : إنها نزلت في حق علي بن أبي طالب عليه السلام والدليل عليه قوله تعالى :﴿وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [ المائدة : ٥٥ ] فقوله :﴿الأتقى * الذى يُؤْتِي مَالَهُ يتزكى﴾ إشارة إلى ما في الآية من قوله :﴿يُؤْتُونَ الزكواة وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ ولما ذكر ذلك بعضهم في محضري قلت : أقيم الدلالة العقلية على أن المراد من هذه الآية أبو بكر وتقريرها : أن المراد من هذا الأتقى هو أفضل الخلق، فإذا كان كذلك، وجب أن يكون المراد هو أبو بكر، فهاتان المقدمتان متى صحتا صح المقصود، إنما قلنا : إن المراد من هذا الأتقى أفضل الخلق لقوله تعالى :﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم﴾ [ الحجرات : ١٣ ] والأكرم هو الأفضل، فدل على أن كل من كان أتقى وجب أن يكون أفضل، فإن قيل : الآية دلت على أن كل من كان أكرم كان أتقى، وذلك لا يقتضي أن كل من كان أتقى كان أكرم، قلنا وصف كون الإنسان أتقى معلوم مشاهد، ووصف كونه أفضل غير معلوم ولا مشاهد، والإخبار عن المعلوم بغير المعلوم هو الطريق الحسن، أما عكسه فغير مفيد، فتقدير الآية كأنه وقعت الشبهة في أن الأكرم عند الله من هو ؟ فقيل : هو الأتقى، وإذا كان كذلك كان التقدير أتقاكم أكرمكم عند الله، فثبت أن الأتقى المذكور ههنا لا بد وأن يكون أفضل الخلق عند الله، فنقول : لا بد وأن يكون المراد به أبا بكر لأن الأمة مجمعة على أن أفضل الخلق بعد رسول الله، إما أبو بكر أو علي، ولا يمكن حمل هذه الآية على علي بن أبي طالب، فتعين حملها على أبي بكر، وإنما قلنا : إنه لا يمكن حملها على علي بن أبي طالب لأنه قال في صفة هذا الأتقى :﴿وَمَا لاِحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تجزى﴾ وهذا الوصف لا يصدق على علي بن أبي طالب، لأنه كان في تربية النبي ﷺ لأنه أخذه من أبيه وكان يطعمه ويسقيه، ويكسوه، ويربيه، وكان


الصفحة التالية
Icon