وقال مالك : صلَّى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب، فقرأ ﴿ والليل إِذَا يغشى ﴾ فلما بلغ ﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى ﴾ وقع عليه البكاء، فلم يقدر يتعدّاها من البكاء، فتركها وقرأ سورة أخرى.
وقال الفرّاء :"إلا الأشقى" إلا من كان شقِياً في علم الله جل ثناؤه.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال :"لا يصلاها إلا الأَشقَى" أمية بن خلف ونظراؤه الذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم.
وقال قتادة : كذب بكتاب الله، وتولى عن طاعة الله.
وقال الفرّاء : لم يكن كذب بردّ ظاهر، ولكنه قصَّر عما أُمِر به من الطاعة ؛ فجُعِل تكذيباً ؛ كما تقول : لقِي فلان العدوّ فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه.
قال : وسمعت أبا ثروان يقول : إن بني نُمَيْر ليس لجِدّهم مكذوبة.
يقول : إذا لَقُوا صدقوا القتال، ولم يرجعوا.
وكذلك قوله جل ثناؤه :﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾ [ الواقعة : ٢ ] يقول ؛ هي حق.
وسمعت سلم بن الحسن يقول : سمعت أبا إسحاق الزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر ؛ لقوله جل ثناؤه :﴿ لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ الأشقى * الذي كَذَّبَ وتولى ﴾ وليس الأمر كما ظنوا.
هذه نار موصوفة بعينها، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولّى.
ولأهل النار منازل ؛ فمنها أن المنافقين في الدِّرْك الأسفل من النار ؛ والله سبحانه كل ما وعد عليه بجنس من العذاب فجائز أن يعذب به.
وقال جل ثناؤه :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً ﴾ [ النساء : ٤٨ ]، فلو كان كل من لم يشرك لم يعذَّب، لم يكن في قوله :﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ فائدة، وكان ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ﴾ كلاماً لا معنى له.


الصفحة التالية
Icon