فقال المشركون : ما أعتقه أبو بكر إلا ليدٍ كانت له عنده " ؛ فنزلت ﴿ وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ ﴾ أي عند أبي بكر ﴿ مِن نِّعْمَةٍ ﴾، أي من يدٍ ومِنَّة، ﴿ تجزى ﴾ بل ﴿ ابتغآء ﴾ بما فعل ﴿ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى ﴾.
وقيل : اشترى أبو بكر من أمية وأبيّ بن خلف بِلالاً، ببردة وعشر أواق، فأعتقه لله، فنزلت :﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى ﴾ [ الليل : ٤ ].
وقال سعيد بن المسيب : بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر حين قال له أبو بكر : أَتَبِيعُنِيه؟ فقال : نعم، أبيعه بنِسطاس، وكان نِسْطاس عبداً لأبي بكر، صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوارٍ ومواشٍ، وكان مشركاً، فحمله أبو بكر على الإسلام، على أن يكون له مالُه، فأبى، فباعه أبو بكر به.
فقال المشركون : ما فعل أبو بكر ببلال هذا إلا ليد كانت لبلال عنده ؛ فنزلت :﴿ وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تجزى * إِلاَّ ابتغآء ﴾ أي لكن ابتغاء ؛ فهو استثناء منقطع ؛ فلذلك نصبت.
كقولك : ما في الدار أحد إلا حماراً.
ويجوز الرفع.
وقرأ يحيى بن وثاب "إلا ابتغاءُ وجهِ ربه" بالرفع، على لغة من يقول : يجوز الرفع في المستثنى.
وأنشد في اللغتين قول بشر بن أبي خازم :
أضحتْ خَلاءً قِفاراً لا أنيسَ بها...
إلا الجآذرَ والظلمانَ تختلفُ
وقول القائل :
وبلدةٍ ليسَ بها أنيسُ...
إلا اليعافيرُ وإلا العِيسُ
وفي التنزيل :﴿ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ﴾ [ النساء : ٦٦ ] وقد تقدم.
﴿ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى ﴾ أي مَرْضاته وما يقرّب منه.
و"الأعلى" من نعت الرب الذي استحق صفات العلو.
ويجوز أن يكون "ابتغاء وجهِ ربه" مفعولاً له على المعنى ؛ لأن معنى الكلام : لا يؤتِي ماله إلا ابتغاء وجهِ ربه، لا لمكافأة نعمته.
﴿ وَلَسَوْفَ يرضى ﴾ أي سوف يعطيه في الجنة ما يرْضى ؛ وذلك أن يعطيه أضعاف ما أنفق.


الصفحة التالية
Icon