ولما عرفهم سبحانه أنّ سعيهم شتّى وبين للمحسنين من اليسرى وما للمسيئين من العسرى أخبرهم بأنّ عليه بيان الهدى من الضلال بقوله تعالى:
﴿إنّ علينا﴾، أي : بما لنا من القدرة والعظمة ﴿للهدى﴾، أي : للإرشاد إلى الحق بموجب قضائنا، أو بمقتضى حكمتنا فنبين طريق الهدى من طريق الضلال ليمتثل أمرنا بسلوك الأوّل، ونهينا عن ارتكاب الثاني. وقال الفراء : معناه إن علينا للهدى والإضلال فحذف المعطوف، كقوله تعالى :﴿سرابيل تقيكم الحرّ﴾ (النحل :)
وهو معنى قول ابن عباس : يريد أرشد أوليائي للعمل بطاعتي، وأحول بين أعدائي أن يعملوا بطاعتي، وهو معنى الإضلال. وقيل : معناه من سلك سبيل الهدى فعلى الله تعالى سبيله كقوله تعالى :﴿وعلى الله قصد السبيل﴾ (النحل :)
﴿وإنّ لنا للآخرة والأولى﴾، أي : لنا ما في الدنيا والآخرة فنعطي في الدارين ما نشاء لمن نشاء فمن طلبهما من غيرنا فقد أخطأ الطريق. وعن ابن عباس قال : ثواب الدنيا والآخرة. وهو كقوله تعالى :﴿من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة﴾ (النساء :)
﴿فأنذرتكم﴾، أي : حذرتكم وخوّفتكم يا أيها المخالفون للطريق الذي بينته ﴿ناراً تلظى﴾ بحذف إحدى التاءين من الأصل، أي : تتلهب وتتوقد وتتوهج، يقال : تلظت النار تلظياً، ومنه سميت جهنم لظى. وقرأ البزي في الوصل بتشديد التاء وهو عَسِرٌ لالتقاء الساكنين على غير حدّهما، وهو نظير قوله تعالى :﴿إذ تلقونه﴾ (النور :)
والباقون بغير تشديد.
﴿لا يصلاها﴾، أي : لا يقاسى شدّتها على طريق اللزوم والانغماس ﴿إلا الأشقى﴾، أي : الذي هو في الذروة من الشقاوة وهو الكافر فإنّ الفاسق وإن دخلها لم يلزمها ولذلك سماه أشقى ووصفه بقوله تعالى: