﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾ أي : وما يفيده ماله الذي تعب في تحصيله، وأفنى عمره في حفظه وبطر الحق لأجله، إذا هلك، من قولهم : تردى من الجبل وفي الهوة، وفي التعبير به إشارة إلى أنه بما قدمهُ من أعماله الخبيثة، هو المهلك والموقع لنفسه. وهو الحافر على حتفه بظلفه. و ﴿ مَا ﴾ نافية أو استفهام في معنى الإنكار. وقوله :
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ استئناف مقرر لما قبله، أي : علينا بموجب قضائنا المبنيّ على الحكم البالغة، حيث خلقنا الخلق للإصلاح في الأرض، أن نبين لهم طريق الهدى ليجتنبوا مواقع الردى. وقد فعل سبحانه ذلك بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، والتمكين من الاستدلال والاستبصار، بخلق العقل وهبة الاختيار.
﴿ وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى ﴾ أي : ملكاً وخلقاً، فلا يضرنا توليكم عن الهدى ؛ وذلك لغناه تعالى المطلق، وتفرده بملك ما في الدارين، وكونه في قبضة تصرفه، لا يحول بينهُ وبينهُ أحد، ولا يحصله أحد، حتى يضر عدم اهتدائه أو ينفع اهتداؤه. وفيه إشارة على تناهي عظمته وتكامل قهره وجبروته. وإن من كان كذلك، فجدير أن يبادر لطاعته ويحذر من معصيته ؛ ولذا رتب عليه قوله :﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى ﴾ أي : تتلظى وتتوهج، وهي نار الآخرة.
﴿ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَ ى *الَّذِي كَذَّبَ ﴾ أي : بالحق الذي جاءه ﴿ وَتَوَلَّى ﴾ أي : عن آيات ربه وبراهينها التي وضح أمرها وبهر نورها، عناداً وكفراً.
﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَ ى *الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾ أي : ينفق ماله في سبيل الخير، يتزكى عن رجس البخل ودنس الإمساك.
﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ﴾ أي : من يد يكافئه عليها، أي : لا يؤتيه للمكافأة والمعارضة.