قال أبو حيان : جاء قوله :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى ﴾ على سبيل المقابلة، لأن العسرى على سبيل المقابلة، لأن العسرى لا تيسير فيها. ١ه.
وهذا من حيث الأسلوب ممكن، ولكن لا يبعد أن يكون معنى التيسير موجوداً بالفعل، إذ المشاهد أن من خذلهم الله -عياذاً بالله- يوجد منهم إقبال وقبول وارتياح، لما يكون أثقل وأشق ما يكون على غيرهم، ويرون ما هم فيه سهلاً ميسراً لا غضاضة عليهم فيه، بل وقد يستمرؤون الحرام ويستطعمونه.
كما ذكر لي شخص : أن لصَّاً قد كفَّ عن السرقة حياءً من الناس، وبعد أن كثر ماله وكبر سنه أعطى جلاً دراهم ليسرق له من زرع جاره، فذهب الرجل ودار من جهة أخرى وأتاه بثمرة من زرعه هو، أي زرع اللص نفسه، فلما أكلها تفلها، وقال : ليس فيه طعمة المسروق، فم أين أتيت به؟ قال : أتيت من زرعك، ألا تستحي من نفسك، تسرق وعندك ما يغنيك. فخجل وكف.
وقد جاء عن عمر نقيض ذلك تماماً، وهو أنه طلب من غلامه أن يسقيه مما في شكوته من لبنه، فلما طعمه استنكر طعمه، فقال للغلام : من أين هذا؟ فقال : مررت على إبل الصدقة فحلبوا لي منها، وها هو ذا، وضع عمر إصبعه في فيه، واستقاء ما شرب.
إنها حساسية الحرام استنكرها عمر، وأحسن بالحرام فاستقاءه، وهذا وذاك بتيسير من الله تعالى، وصدق ﷺ " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ".
ونحن نشاهد في الأمور العادية أصحاب المهن والحرف كل واحد راضٍ بعمله وميسر له، وهكذا نظام الكون كله، والذي يهم هنا أن كلاً من الطاعة أو المعصية له أثر كبير على ما بعده.
تنبيه
قيل : إن هذه المقارنة بين : من أعطى واتقى وصدق بالحسنى، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى، واقعة بين أبي بكر رضي الله عنه، وبين غيره من المشركين.
ومعلوم أن العبرة بعموم اللفظ فهي عامة في كل من أعطى واتقى وصدق، أو بخل واستغنى وكذب. والله تعالى أعلم.
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (١١)


الصفحة التالية
Icon