وذكر هنا صنفاً خاصاً، وهو من كذب وتولى، كما تقدم في موضع آخر في وصفها أيضاً بلظى في قوله تعالى :﴿ كَلاَّ إِنَّهَا لظى نَزَّاعَةً للشوى ﴾ [ المعارج : ١٥-١٦ ]، ثم بين أهلها بقوله :﴿ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وتولى وَجَمَعَ فأوعى ﴾ [ المعارج : ١٧-١٨ ].
وهو كما هو ما ﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ الأشقى الذي كَذَّبَ وتولى ﴾ [ الليل : ١٤-١٦ ]، وهو المعنى في قوله قبله :﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ واستغنى وَكَذَّبَ بالحسنى ﴾ [ الليل : ٨-٩ ]، مما يدل أن للنار عدة حالات أو مناطق أو منازل، كل منزلة تختص بصنف من الناس، فاختصت لظى بهذا الصنف، واختصت سقر بمن لم يكن من المصلين، وكانوا يخوضون مع الخائضين، ونحو ذلك. ويشهد له قوله :﴿ إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار ﴾ [ النساء : ١٤٥ ]، كما أن الجنة منازل ودرجات، حسب أعمال المؤمنين، والله تعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿ لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ الأشقى الذي كَذَّبَ وتولى وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى الذى يُؤْتِي مَالَهُ يتزكى ﴾.
هذه الآية من مواضع الإيهام، ولم يتعرض لها في دفع إيهام الاضطراب، وهو أنها تنص وعلى سبيل الحصر، أنه لا يصلى النار ألاَّ الأشقى مع مجيء قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ [ مريم : ٧١ ] مما يدل على ورود الجميع.
والجواب من وجهين : الأول كما قال الزمخشري : إن الآية بين حالي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين.
فقيل : الأشقى وجعل مختصاً بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له، وقال الأتقى، وجعل مختصاً بالجنة، وكأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل : عنهما هما أبو جهل أو أمية بن خلف المشركين، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، حكاه أبو حيان عن الزمخشري.


الصفحة التالية
Icon