والوجه الثاني : هو أن الصلى الدخول والشي، وأن يكون وقود النار على سبيل الخلود، والورود والدخول المؤقت بزمن غير الصلى لقوله في آية الورود، التي هي قوله تعالى :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ [ مريم : ٧١ ]، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً ﴾ [ مريم : ٧٢ ]، ويبقى الإشكال، بين الذين اتقوا وبين الأتقى ويجاب عنه : بأن التقى يرد، والأتقى لا يشعر بورودها، كمن يمر عليها كالبرق الخاطف. والله تعالى أعلم.
ولولا التأكيد في آية الورود بالمجيء بحرف من وإله وقوله :﴿ كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ [ مريم : ٧١ ] لولا هذه المذكورات لكان يمكن أن يقال : إنها مخصوصة بهذه الآية، وأن الأتقى لا يردها، إلاَّ أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص. والله تعالى أعلم.
وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين، من أعطى واتقى وصدق، ومن بخل واستغنى وكذب، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء، ويتجنبها الأتقى الذي صدق، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمر بالغ الأهمية.
وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئاً إلاَّ بعوض، لأن الدنيا كلها معاوضة حتى الحيوان تعطيه علفاً يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب.. إلخ.
فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي وينتظر الجزاء الأوفى الحسنة بعشر أمثالها، لأنه مؤمن أنه متعامل مع الله، كما في قوله :﴿ مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً ﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ].