أما المكذب : فلم يؤمن بالجزاء آجلاً، فلا يخرج شيئاً لأنه لم يجد عوضاً معجلاً، ولا ينتظر ثواباً مؤجلاً، ولذا كان الذين تبؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إيماناً بما عند الله، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرهاً ولا يخرجون إلا الرديء، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلاَّ ليغمضوا فيه، ولك ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها.
ولذا جاء في الحديث الصحيح " والصدقة برهان " أي على صحة الإيمان بما وعد الله المتقين، من الخلف المضاعفة الحسنة.
وقوله :﴿ يُؤْتِي مَالَهُ يتزكى ﴾، أي يتطهر ويستزيد، إذ التزكية تأتي بمعنى النماء، كقوله تعالى :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [ التوبة : ١٠٣ ]، وهذا رد على قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى ﴾ [ الأعلى : ١٤ ]، وعلى عموم :﴿ فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى ﴾ [ الليل : ٥ ]، ولا يقال : إنها زكاة المال، لأن زكاة المال، لأن الزكاة لم تشرع إلا بالمدينة، والسورة مكية عند الجمهور، وقيل : مدنية. والصحيح الأول.
تنبيه
قد قيل أيضاً : إن المراد بقوله :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى الذى يُؤْتِي مَالَهُ يتزكى ﴾ [ الليل : ١٧ - ١٨ ]، إلى آخر السورة. نازل في أبي بكر رضي الله عنه، ولما كان يعتق ضعفة المسلمين، فأنزل الله الآيات إلى قوله :﴿ وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تجزى إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى ﴾ [ الليل : ١٩ - ٢٠ ]، وابتغاء وجهة رب هو بعينه، وصدق بالحسنى أي لوجه الله يرجو الثواب من الله.