والثاني: الاستسلام حتى يمضي عنه ذلك الوقت ولا يتكلف دفعه ولا يستقبل وقته مغالبة وقهرا ولا يطلب طلوع الفجر في وسط الليل وليرقد حتى يمضي عامة الليل ويحين طلوع الفجر وانقشاع ظلمة الليل بل يصبر حتى يهجم عليه الملك فالله يقبض ويبسط وكذلك إذا هجم عليه وارد البسط: فليحذر كل الحذر من الحركة والاهتزاز وليحرزه بالسكون والانكماش فالعاقل يقف على البساط ويحذر من الانبساط وهذا شأن عقلاء أهل الدنيا ورؤسائهم: إذا ما ورد عليهم ما يسرهم ويبسطهم
ويهيج أفراحهم قابلوه بالسكون والثبات والاستقرار حتى كأنه لم يهجم عليهم وقال كعب بن زهير في مدح المهاجرين:

ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
قال الدرجة الثالثة: ذهول مع صحبة الاستقامة وملازمة الرعاية على تهذيب الأدب الذهول ههنا: الغيبة في المشاهدة بالحال الغالب المذهل لصاحبه عن التفاته إلى غيره وهذا إنما ينفع إذا كان مصحوبا بالإستقامة وهي حفظ حدود العلم والوقوف معها وعدم إضاعتها وإلا فأحسن أحوال هذا الذاهل: أن يكون كالمجنون الذي رفع عنه القلم فلا يقتدى به ولا يعاقب على تركه الاستقامة وأما إن كان سبب الذهول المخرج عن الإستقامة باستدعائه وتكلفه وإرادته: فهو عاص مفرط مضيع لأمر الله له حكم أمثاله من المفرطين وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: متى كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا وقوله: وملازمة الرعاية على تهذيب الأدب
يريد به: ملازمته رعاية حقوق الله مع التأدب بآدابه فلا يخرجه ذهول عن استقامته ولا عن رعاية حقوق سيده ولا عن الوقوف بالأدب بين يديه والله المستعان. أ هـ ﴿مدارج السالكين حـ ٢ صـ ٣٦٤ ـ ٣٧٥﴾


الصفحة التالية
Icon