وفي قوله ﴿أعطى﴾ وجهان : أحدهما : أن يكون المراد إنفاق المال في جميع وجوه الخير من عتق الرقاب وفك الأسارى وتقوية المسلمين على عدوهم كما كان يفعله أبو بكر سواء كان ذلك واجباً أو نفلاً، وإطلاق هذا كالإطلاق في قوله :﴿وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ﴾ [ الأنفال : ٣ ] فإن المراد منه كل ذلك إنفاقاً في سبيل الله سواء كان واجباً أو نفلاً، وقد مدح الله قوماً فقال :﴿وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴾ [ الإنسان : ٨ ] وقال في آخر هذه السورة :﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى * الذى يُؤْتِى مَالَهُ يتزكى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تجزى * إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ رَبّهِ الأعلى﴾ [ الليل : ١٧-٢٠ ]، وثانيهما : أن قوله :﴿أعطى﴾ يتناول إعطاء حقوق المال وإعطاء حقوق النفس في طاعة الله تعالى، يقال : فلان أعطى الطاعة وأعطى السعة وقوله :﴿واتقى﴾ فهو إشارة إلى الاحتراز عن كل مالا ينبغي، وقد ذكرنا أنه هل من شرط كونه متقياً أن يكون محترزاً عن الصغائر أم لا في تفسير قوله تعالى :﴿هُدًى لّلْمُتَّقِينَ﴾ [ البقرة : ٢ ] وقوله :﴿وَصَدَّقَ بالحسنى﴾ فالحسنى فيها وجوه أحدها : أنها قول لا إله إلا الله، والمعنى : فأما من أعطى واتقى وصدق بالتوحيد والنبوة حصلت له الحسنى، وذلك لأنه لا ينفع مع الكفر إعطاء مال ولا اتقاء محارم، وهو كقوله :﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ﴾ [ البلد : ١٤ ] إلى قوله :﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين ءامَنُواْ﴾ [ البلد : ١٧ ] وثانيها : أن الحسنى عبارة عما فرضه الله تعالى من العبادات على الأبدان وفي الأموال كأنه قيل : أعطى في سبيل الله واتقى المحارم وصدق بالشرائع، فعلم أنه تعالى لم يشرعها إلا لما فيها من وجوه الصلاح والحسن وثالثها : أن الحسنى هو الخلف الذي وعده الله في قوله :﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [ سبأ : ٣٩ ] والمعنى : أعطى


الصفحة التالية
Icon