وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ والليل إِذَا يغشى ﴾
أي يُغَطِّي.
ولم يذكر معه مفعولاً للعلم به.
وقيل : يغشى النهار.
وقيل : الأرض.
وقيل : الخلائق.
وقيل : يغشى كل شيء بظلمته.
وروى سعيد عن قتادة قال : أولُ ما خلق الله النور والظلمة، ثم مَيَّز بينهما، فجعل الظلمة ليلاً أسود مظلِماً، والنور نهاراً مضيئاً مبصِراً.
﴿ والنهار إِذَا تجلى ﴾ أي إذا انكشف ووضح وظهر، وبان بضوئه عن ظلمة الليل.
﴿ وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى ﴾ قال الحسن : معناه والذي خلق الذكر والأنثى ؛ فيكون قد أقسم بنفسه عز وجل.
وقيل : معناه وخلق الذكر والأنثى ؛ ( فَما ) : مصدرية على ما تقدم.
وأهل مكة يقولون للرعد : سُبْحان ما سَبَّحتَ لَه! ( فما ) على هذا بمعنى ( مَنْ )، وهو قول أبي عبيدة وغيره.
وقد تقدّم.
وقيل : المعنى وما خلق من الذكر والأنثى ؛ فتكون "مِنْ" مضمرة، ويكون القسم منه بأهل طاعته، من أنبيائه وأوليائه، ويكون قسمه بهم تكرمة لهم وتشريفاً.
وقال أبو عبيدة :"وما خلق" أي مَنْ خلق.
وكذا قوله :"والسماءِ وما بناها"، "ونفس وما سوّاها"، "ما" في هذه المواضع بمعنى منْ.
ورُوي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ "والنهار إذا تجلى.
والذكر والأنثى" ويسقط "وما خلق".
وفي صحيح مسلم عن علقمة قال : قدمنا الشام، فأتانا أبو الدرداء، فقال : فيكم أحد يقرأ عليّ قراءة عبد الله؟ فقلت : نعم، أنا.
قال : فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية ﴿ والليل إِذَا يغشى ﴾ ؟ قال : سمعته يقرأ "والليلِ إذا يَغْشَى.
والذكر والأنثى" قال : وأنا والله هكذا سمعت رسول الله ﷺ يقرؤها، ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ "وما خلق" فلا أتابعهم.


الصفحة التالية
Icon