قال أبو بكر الأنباريّ : وحدثنا محمد بن يحيى المروزيّ قال حدثنا محمد قال حدّثنا أبو أحمد الزبيريّ قال حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال : أقرأني رسول الله ﷺ "إني أنا الرازق ذو القوّة المتِين" ؛ قال أبو بكر : كل من هذين الحديثين مردود ؛ بخلاف الإجماع له، وأن حمزة وعاصماً يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة المسلمين، والبناء على سندين يوافقان الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالفه الإجماع والأمة، وما يبنى على رواية واحد إذا حاذاه رواية جماعة تخالفه، أخذ برواية الجماعة، وأبطل نقل الواحد ؛ لما يجوز عليه من النسيان والإغفال.
ولو صح الحديث عن أبي الدرداء وكان إسناده مقبولاً معروفاً، ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة رضي الله عنهم يخالفونه، لكان الحكم العمل بما روته الجماعة، ورفض ما يحكيه الواحد المنفرد، الذي يسرع إليه من النسيان ما لا يسرع إلى الجماعة، وجميع أهل الملة.
وفي المراد بالذكر والأنثى قولان : أحدهما : آدم وحوّاء ؛ قاله ابن عباس والحسن والكلبيّ.
الثاني : يعني جميع الذكور والإناث من بني آدم والبهائم ؛ لأن الله تعالى خلق جميعهم من ذكر وأنثى من نوعهم.
وقيل : كل ذكر وأنثى من الآدميين دون البهائم لاختصاصهم بولاية الله وطاعته.
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى ﴾ هذا جواب القسم.
والمعنى : إن عملكم لمختلف.
وقال عكرمة وسائر المفسرين : السعي : العمل ؛ فساعٍ في فَكاك نفسه، وساعٍ في عَطَبها ؛ يدل عليه قوله عليه السلام :" الناس غاديان : فمبتاع نفسه فمعتِقها، وبائع نفسه فموبِقها " وشتى : واحده شتيت ؛ مثل مريض ومرضى.
وإنما قيل للمختلف شتى لتباعد ما بين بعضه وبعضه.
أي إنّ عملكم لمتباعد بعضه من بعض ؛ لأن بعضه ضلالة وبعضه هدى.
أي فمنكم مؤمن وبر، وكافر وفاجر، ومطيع وعاصٍ.


الصفحة التالية
Icon