فأقسم تعالى بـ ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ أي : إذا غَشيَ الخليقةَ بظلامه، ﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ أي : بضيائه وإشراقه، ﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ﴾ كقوله :﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [النبأ : ٨]، وكقوله :﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾ [الذاريات : ٤٩].
ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان القسم عليه أيضا متضادا ؛ ولهذا قال :﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾ أي : أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضًا ومتخالفة، فمن فاعل خيرا ومن فاعل شرا.
قال الله تعالى :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾ أي : أعطى ما أمر بإخراجه، واتقى الله في أموره، ﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ أي : بالمجازاة على ذلك - قاله قتادة، وقال خَصِيف : بالثواب. وقال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وأبو صالح، وزيد بن أسلم :﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ أي : بالخلف. وقال أبو عبد الرحمن السلمي، والضحاك :﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ أي : بلا إله إلا الله. وفي رواية عن عكرمة :﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ أي : بما أنعم الله عليه. وفي رواية عن زيد بن أسلم :﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ قال : الصلاة والزكاة والصوم. وقال مرة : وصدقة الفطر.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا زُهَير بن محمد، حدثني مَن سَمِع أبا العالية الرياحي يُحدث عن أبي بن كعب قال : سألت رسول الله ﷺ عن الحسنى قال :"الحسنى : الجنة" (١).
وقوله :﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ قال ابن عباس : يعني للخير. وقال زيد بن أسلم : يعني للجنة.

(١) ورواه الطبري في تفسيره (١٥/٦٩) طـ - المعارف، من طريق عمرو بن أبي سلمة عن زهير به.


الصفحة التالية
Icon