والذي يدعو إلى هذا أن فعل "نيسر" نصبَ ضمير ﴿ من أعطى واتقى وصدَّق ﴾، وضمير ﴿ من بَخل واستغنى وكذَّب، فهو تيسيرٌ ناشىء عن حصول الأعمال التي يجمعها معنى اتَّقى ﴾ أو معنى ﴿ استغنى ﴾، فالأعمال سابقة لا محالة.
والتيسير مستقبل بعد حصولها فهو تيسير ما زاد على حصولها، أي تيسير الدوام عليها والاستزادة منها.
ويجوز أن يكون معنى الآية : أن يُجعل التيسير على حقيقتِهِ ويجعل اليسرى وصفاً أي الحالة اليسرى، والعسرى أي الحالة غير اليسرى.
وليس في التركيب قلب، والتيسير بمعنى الدوام على العمل، ففي "صحيح البخاري" عن علي قال :" كنا مع رسول الله في بقيع الغَرقد في جنازة فقال : ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مَقْعَده من الجنة ومَقْعَدَه من النار، فقالوا : يا رسول الله أفلا نتكِلُ؟ فقال : اعملوا فكل ميسَّر لما خلق له.
أما أهل السعادة فَيُيَسَّرُونَ لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء، ثم قرأ :﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾ " أ هـ.
فصدر الحديث لا علاقة له بما تضمنته هذه الآية لأن قوله :" ما من أحد إلا وقد كتبَ مقعده " الخ معناه قد علم الله أن أحداً سيعمل بعمل أهل الجنة حتى يُوافيَ عليه، أو سيعمل بعمل أهل النار حتى يُوافِيَ عليه، فقوله :"وقد كتب مقعده" جعلت الكتابة تمثيلاً لعلم الله بالمعلومات علماً موافقاً لما سيكون لا زيادة فيه ولا نقص، كالشيء المكتوب إذ لا يقبل زيادة ولا نقصاً دون المقول الذي لا يكتب فهو لا ينضبط.
فنشأ سؤال من سأل عن فائدة العمل الذي يعمله الناس، ومعنى جوابه : أن فائدة العمل الصالح أنه عنوان على العاقبة الحسنة.
وذُكر مقابله وهو العمل السيىء إتماماً للفائدة ولا علاقة له بالجواب.


الصفحة التالية
Icon