وليس مجازه مماثلاً لما استعمل في هذه الآية لأنه في الحديث علق به عمل أهل السعادة فتعين أن يكون تيسيراً للعمل، أي إعداداً وتهيئة للأعمال صالحها أو سيئها.
فالذي يرتبط بالآية من اللفظ النبوي هو أن النبي ﷺ أعقب كلامه بأن قرأ :﴿ فأما من أعطى واتقى ﴾ الآية لأنه قرأها تبييناً واستدلالاً لكلامه فكان للآية تعلق بالكلام النبوي ومَحَلّ الاستدلال هو قوله تعالى :﴿ فسنيسره ﴾.
فالمقصود منه إثبات أن من شؤون الله تعالى تيسراً للعبد أن يعمل بعمل السعادة أو عمل الشقاء سواء كان عمله أصلاً للسعادة كالإيمان أو للشقاوة كالكفر، أم كان للعمل مما يزيد السعادة ويُنقص من الشقاوة وذلك بمقدار الأعمال الصالحة لمن كان مؤمناً لأن ثبوت أحد معنَيَي التيسير يدل على ثبوت جنسه فيصلح دليلاً لثبوت التيسير مِن أصله.
أو يكون المقصود من سوق الآية الاستدلال على قوله :"اعملوا" لأن الآية ذكرت عملاً وذكرت تيسيراً لليسرى وتيسيراً للعسرى، فيكون الحديث إشارة إلى أن العمل هو علامة التيسير وتكون اليسرى معنياً بها السعادة والعسرى معنياً بها الشقاوة، وما صدْق السعادة الفوز بالجنة، وما صدْقَ الشقاوة الهُويُّ في النار.
وإذ كان الوعدُ بتيسير اليُسرى لصاحب تلك الصلات الدالة على أعمال الإِعطاء والتقوى والتصديق بالحسنى كان سلوك طريق الموصولية للإِيماء إلى وجه بناء الخبر وهو التيسير فتعين أن التيسير مسبب عن تلك الصلات، أي جزاءٌ عن فعلها : فالمتيسر : تيسير الدوام عليها، وتكون اليسرى صفة للأعمال، وذلك من الإِظهار في مقام الإِضمار.
والأصل : مستيسر له أعمالَه، وعدل عن الإِضمار إلى وصف اليسرى للثناء على تلك الأعمال بأنها مُيسرة من الله كقوله تعالى :﴿ ونيسرك لليسرى ﴾ في سورة الأعلى ( ٨ ).


الصفحة التالية
Icon