قوله تعالى ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (١٢) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (١٤) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (٢١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان ربما قال المتعنت الجاهل بما له سبحانه وتعالى من العظمة التي لا اعتراض لأحد عليها : ما له لا ييسر الكل للحسنى، استأنف جوابه مبيناً من ألزم به نفسه من المصالح تفضلاً منه بما له من اللطف والكرم وما يفعله مما هو له من غير نظر إلى ذلك بما له من الجبروت والكبر، فقال مؤكداً تنبيهاً على أنه يحب العلم بأنه لا حق لأحد عليه أصلاً :﴿إن علينا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿للهدى﴾ أي البيان للطريق الحق وإقامة الأدلة الواضحة على ذلك.
ولما بين ما ألزمه نفسه المقدس فصار كأنه عليه لتحتم وقوعه فكان ربما أوهم أنه يلزمه شيء، أتبعه ما ينفيه ويفيد أن له غاية التصرف فلا يعسر عليه شيء أراده فقال :﴿وإن لنا﴾ أي يا أيها المنكرون خاصاً بنا، وقدم ما العناية به أشد لأجل إنكارهم لا للفاصلة، فإنه يفيدها مثلاً أن يقال : للعاجلة والأخرى، فقال :﴿للآخرة والأولى﴾ فمن ترك ما بينا له من طريق الهداية لم يخرج عن كونه لنا ولم يضر إلا نفسه ولنا التصرف التام، بما نقيم من الأسباب المقربة للشيء جداً، ثم بما نقيم من الموانع الموجبة لبعده غاية البعد، فنعطي من نشاء ما نشاء ونمنع من نشاء ما نشاء، ومن طلب منهما شيئاً من غيرنا فال رأيه وخاب سعيه، وليس التقديم لأجل الفاصلة، فقد ثبت بطلان هذا وأنه لا يحل اعتقاده في غير موضع، منها آخر سورة براءة، وأنه لا فرق بين أن يعتقد أن فيه شيئاً موزوناً بقصد الوزن فقط ليكون شعراً، وأن يعتقد أن فيه شيئاً قدم أو أخر لأجل الفاصلة فقط ليكون سجعاً، على أنه لو كان هذا لأجل الفاصلة فقط لكان يمكن أن يقال : للأولى - أو للأولة - والأخرى مثلاً.


الصفحة التالية
Icon