ولما أخبر سبحانه وتعالى أنه ألزم نفسه المقدس البيان، وأن له كل شيء، المستلزم لإحاطة العلم وشمول القدرة، شرح ذلك بما سبب عنه من قوله لافتاً القول إلى تجريد الضمير من مظهر العظمة للترقق بالمخاطبين في تبعيد الوهم وتقريب الفهم فقال :﴿فأنذرتكم﴾ أي حذرتكم أيها المخالفون للطريق الذي بينته ﴿ناراً تلظّى﴾ أي تتقد وتتلهب تلهباً هو في غاية الشدة من غير كلفة فيه على موقدها أصلاً ولا أحد من خزنتها - بما أشار إليه إسقاط التاء، وفي الإدغام أيضاً إشارة إلى أن أدنى نار الآخرة كذلك، فيصير إنذار ما يتلظى وما فوق ذلك من باب الأولى.
ولما كان قد تقدم غير مرة تخصيص كل من المحسن والمسيء بداره بطريق الحصر إنكاراً لأن يسوى محسن بمسيء في شيء، وكان الحصر ب " لا " و " إلا " أصرح أنواعه قال :﴿لا يصلاها﴾ أي يقاسي حرها وشدتها على طريق اللزوم والانغماس ﴿إلا الأشقى﴾ أي الذي هو في الذروة من الشقاوة وهو الكافر، فإن الفاسق وإن دخلها لا يكون ذلك له على طريق اللزوم، ولذلك وصفه بقوله تعالى :﴿الذي كذب﴾ أي أفسد قوته العلمية بأن أعرض عن الحق تكبراً وعناداً فلم يؤت ماله لزكاة نفسه ﴿وسيجنبها﴾ أي النار الموصوفة بوعد لا خلف فيه عن قرب - بما أفهمته السين من التأكيد مع التنفيس، وتجنيبه له في غاية السهولة - بما أفهمه البناء للمفعول ﴿الأتقى﴾ أي الذي أسس قوته العلمية أمكن تأسيس، فكان في الذروة من رتبة التقوى وهو الذي اتقى الشرك والمعاصي، وهو يفهم أن من لم يكن في الذروة لا يكون كذلك، فإن الفاسق يدخلها ثم يخرج منها، ولا ينافي الحصر السابق.


الصفحة التالية
Icon