واستعير في الآية للمفارقة بعد الاتصال تشبيهاً بفراق المسافر في انقطاع الصلة حيث شبه انقطاع صلة الكلام بانقطاع صلة الإقامة، والقرينة إسناد ذلك إلى الله الذي لا يتصل بالناس اتصالاً معهوداً.
وهذا نفي لأن يكون الله قطع عنه الوحي.
وقد عطف عليه :﴿ وما قلى ﴾ للإِتيان على إبطال مقالتي المشركين إذ قال بعضهم : ودَّعه ربه، وقال بعضهم : قَلاه ربه، يريدون التهكم.
وجملة :﴿ وما قلى ﴾ عطف على جملة جواب القسم ولها حكمها.
والقليْ ( بفتح القاف مع سكون اللام ) والقِلَى ( بكسر القاف مع فتح اللام ) : البغض الشديد، وسبب مقالة المشركين تقدم في صدر السورة.
والظاهر أن هذه السورة نزلت عقب فترة ثانية فتر فيها الوحي بعد الفترة التي نزلت إثرها سورة المدثر، فعن ابن عباس وابن جريج :"احتبس الوحي عن رسول الله ﷺ خمسة عشر يوماً أو نحوها.
فقال المشركون : إن محمداً ودَّعه ربه وقلاه، فنزلت الآية".
واحتباس الوحي عن النبي ﷺ وقع مرتين:
أولاهما : قبل نزول سورة المدثر أو المزمل، أي بعد نزول سورتين من القرآن أو ثلاث على الخلاف في الأسبق من سورتي المزمل والمدثر، وتلك الفترة هي التي خشي رسول الله ﷺ أن يكون قد انقطع عنه الوحي، وهي التي رأى عقبها جبريل على كرسي بين السماء والأرض كما تقدم في تفسير سورة المدثر، وقد قيل : إن مدة انقطاع الوحي في الفترة الأولى كانت أربعين يوماً ولم يشعر بها المشركون لأنها كانت في مبدإ نزول الوحي قبل أن يشيع الحديث بينهم فيه وقبل أن يقوم النبي ﷺ بالقرآن ليلاً.
وثانيتهما : فترة بعد نزول نحو من ثماننِ سور، أي السور التي نزلت بعد الفترة الأولى فتكون بعد تجمع عشر سور، وبذلك تكون هذه السورة حادية عشرة فيتوافق ذلك مع عددها في ترتيب نزول السور.


الصفحة التالية
Icon